سورة آل عمران | حـ 399 | 43-44 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة آل عمران ومع قصة السيدة الجليلة مريم عليها السلام، يقول ربنا سبحانه وتعالى: وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين، يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين" بشرها بالاصطفاء شرفها كرمها رفع قدرها وهذا العلو في المقام لم يعفها من التكليف وهذا يرد
على كل من دعا إلى الجنون بسقوط التكليف عن الواصلين جنون يجلس يذكر قليلا هكذا وبعد ذلك يقول لك أنا وصلت كيف؟ قال ما انتهى سقط عني التكليف قد وصلت إلى مرتبة هي المراد من هذا التكليف، هذا ربنا يؤكد علينا أن هذا دجل، لو كان أحد يستحق أن يسقط عنه التكليف لوصوله إلى الحضرة الربوبية لكان محمد صلى الله عليه وسلم، لكنه يقوم الليل حتى تتورم قدماه الشريفتان فتقول له عائشة
يا رسول الله ألم يغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال أفلا أكون عبدا شكورا، ولو أن التكليف يسقط بالوصول إلى ما يتوهمه المتوهم أنه وصل به لكانت مريم أولى بعد أن أقر الله لها وبشرها بأنه قد اصطفاها وطهرها واصطفاها على نساء العالمين، وبعد ذلك هناك شيء وهذا بالنص ليس بالتوهم والخيال وبعدها مباشرة يكلفها لأنه شرفها فجاءت القاعدة أن كل تشريف معه تكليف وهذه
القاعدة نسيها كثير من المسلمين ومن الخلق فضلوا عن منهج الله كنتم خير أمة أخرجت للناس هذا تشريف تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله هذا تكليف فلا تقل أنا خير أمة هكذا وأنت لا تعمل ولا تأمر ولا تنهى ولا تؤمن، فكيف فهمت منها التشريف لا التكليف. لا، إننا أمة مكلفة ولذلك فهي مشرفة، فالقاعدة هكذا يجب أن نحفظها أن كل تشريف معه تكليف، وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون
الرسول عليكم شهيدا، تكليف لا بد منه عليك من أن تصل إلى مرتبة الشهادة التي تشهد فيها الخلق ولا تعزل نفسك عنهم ويشهدك الخلق باعتبارك المثال الأعلى بحيث أن النبي هو مثالك أنت وهو الأسوة الحسنة التي تتخذها، هذا تكليف فربنا سبحانه وتعالى يؤكد علينا مرة بعد أخرى حتى إذا لم نفهمها هنا نفهمها هنا وإذا لم نفهمها هنا نفهمها هنا وإذا لم ننتبه إليها هنا ننتبه إليها هنا وكلها تؤكد بناء تلك العقلية التي تهتم بالتكليف شكرا لله على ذلك التشريف يا مريم اقنتي
لربك والقنوت الخلوص والقنوت الدعاء والقنوت الإخلاص إذا فهو يقول لها أخلصي هكذا خلصي نفسك من الدنيا وأخلصي وكوني مخلصة في نيتك وعبادتك وكوني داعية لله ذاكرة لله بكلمة واحدة فقط يا مريم اقنتي من الدعاء جاء القنوت في الصلاة يعني الدعاء والقنوت هنا بالتاء أما القنوت بالطاء يعني اليأس اقنتي
لربك واسجدي واركعي مع الراكعين إذ أمرها بالإخلاص وقوموا لله قانتين يعني مخلصين ولذلك في الصلاة لا ينفع فيها الكلام لأننا ماذا؟ خلصنا أنفسنا من الحياة الدنيا وألغيناها ودخلنا في الصلاة، فيبقى "وقوموا لله قانتين" أي ساكتين خالصين، خلصوا أنفسكم من مشاغل الدنيا، فلا ينفع فيها الأكل ولا الشرب ولا الحديث والكلام ولا الحركة الكثيرة، لا تنفع في الصلاة، فأخلصي لربك، يعني أخلصي لربك، اخرجي من إطار عمل الدنيا واسجدي واركعي
مع الراكعين. "ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم" وأنت الذي عرفك هذا الكلام؟ هل أنت كنت معهم صلى الله عليه وسلم "وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون" فإذا كان هذا من عند الله فلا إله إلا الله والحمد لله الذي جعلنا مسلمين، مصيبة كبرى أن يقف الناس حائلا بين هذا الكتاب وبين الخلق، سواء أكان
هؤلاء من المسلمين أو من غير المسلمين، وحسابهم على الله، وإلى لقاء آخر نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.