سورة آل عمران | حـ 427 | 80 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

ربنا سبحانه وتعالى ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون إذا فقضية التوحيد قضية أساسية في حياة البشر أجاب الله عنها في القرآن إجابة واضحة صريحة محددة حاسمة وجعلها معيارا لقبول الكلام ولتمييز الحق من الباطل من الذي خلقنا من الذي يستحق العبادة منا من
الذي إليه مرجعنا، هذه هي الأسئلة العليا التي يسألها كل إنسان ثم يجيب بإجابات مختلفة. بعد عهد النبوة الأولى في أيام آدم الذي علمه الله الأسماء كلها والذي كرمه حتى على الملائكة حتى أسجدهم له، بعد ذلك غاب عن الناس وعيهم وحدث ما يسمى بفترة الرسل وهذه الفترة تعني المدة التي لم يبعث فيها الرسل غاب عن الناس وعيهم، ولذلك بدؤوا في الإجابة
على هذه الأسئلة الغيبية بطريقة حسية. يبقى هناك خلط في المنهج لأن هذا الكون فيه عالم الشهادة نجيب على الأسئلة بطريقة حسية ولا بد، وعالم الغيب نجيب عن أسئلته بطريقة تنتسب إلى الغيب وتؤمن به بيد أنه إذا نحن خلطنا بين الغيب والشهادة وأجبنا عن عالم الغيب بما هو حادث في عالم الشهادة أو عن عالم الشهادة بما هو حادث في عالم الغيب تم الخلط
والله سبحانه وتعالى يرشدنا إلى مصادر المعرفة فيقول عالم الغيب والشهادة فهو عالم بالشهادة وقواعدها وعالم بالغيب ومبادئه من أين ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا، إذا لم أكن حاضرا ولا شاهدا في عالم الغيب فكيف أعرف الإجابة عن هذا السؤال؟ لا بد من طريق وحي معتمد يأتي عن طريق رسول يجري الله المعجزات
والخوارق على يديه ويكون من أعلى الناس يتصف بالفطنة. والكياسة والصدق والأمانة ولا يتصف أبدا بأضدادها من الخيانة والكذب والخسة حاشاهم صلى الله عليهم وسلم وهذا الرسول ذو الوحي هو الذي يخبرنا عن حقيقة الأمر وإذ بهم جميعا يخبروننا بشيء واحد أنه لا إله إلا الله وأنه هو الخالق وأنه هو الرازق وأنه على كل شيء قدير ولذلك لما خلطوا بين عالم الغيب وعالم الشهادة وأقاموا الحس يجيبون به والعقل يتتبعونه
في مطلق تفكيره قالوا لعل الملائكة وهي من عالم الغيب أن تكون هي الرب وقالوا لعل النبيين وهم من عالم الشهادة أن يكونوا هم الأرباب والنبي الفلاني هو الرب إذا أجابوا مرة عن عالم الغيب بعالم الغيب وأجابوا أخرى عن عالم الغيب بعالم الشهادة وكلها خلط في المنهج والله يأمرنا ألا نخلط هذا الخلط لأن الأمر واضح ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا
فلا بد من أن نقيم الحجة في عالم الحس من الحس وفي عالم العقل من العقل وفي عالم الغيب من الغيب وإلا نخلط هذا الخلط القبيح بين عالم الغيب وعالم الشهادة ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا كما فعل بعض سفهاء البشر أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون بعد ما اعترفتم أن هناك إلها لهذا الكون وأن هناك ربا لهذا الخلق وكدتم أن تسلموا أنفسكم له بعد ذلك يأمركم بهذا الخلق الذي تصلون أو يصل به بعضكم
عندما يختلط عليه طريق التفكير، لم يكن ذلك أبدا. وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه، وهذه هي قضية القضايا فالأولى قضية لا إله إلا الله والثانية قضية محمد رسول الله ولذلك كانت الشهادة بركنيها أول ركن من أركان الإسلام أو أول أركان الإسلام وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة