سورة آل عمران | حـ 429 | 81 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة آل عمران وعند قوله تعالى: ﴿وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أقررتم وأخذتم على ذلكم﴾ إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين. هذا هو الركن الثاني من أركان الشهادة من أركان الركن الأول من الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن
تشهد أن محمدًا رسول الله. وفي هذه الآية يبين لنا ربنا أن أمة الإسلام وقد أنزل إليها العهد الأخير ما هل يوجد شيء اسمه العهد القديم ويوجد شيء اسمه العهد الجديد، نزل القديم على موسى ونزل الجديد على عيسى، وأن هذا القرآن هو العهد الأخير الذي نزل على محمد وبه تمت الرسل وتم موكبهم؟ إذاً يتبين للمسلمين أنهم ينتمون إلى أمة تمتد عبر التاريخ، تبدأ من آدم
وتنتهي بخاتمهم سيدنا. محمد صلى الله عليه وآله وسلم: "قل ما كنت بدعًا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم"، لست بدعًا من الرسل. إن بعض الناس يقول لك: "ماذا أتى به جديد؟" يعني لم يأتِ بشيء جديد، لم يأتِ بشيء جديد، وما كان له أن يأتي بجديد. هو جديد يعني بدعة، يعني جديد، يعني أتى بشيء مخالف؟ لا، لم يأتِ بشيء مخالف. إن ما أتى به سيدنا آدم هو ما أتى به سيدنا نوح، وما أتى به سيدنا نوح هو ما أتى به سيدنا عيسى، وهو ما أتى به سيدنا إبراهيم، وهو ما أتى به سيدنا
موسى. "إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا". ربكم فاعبدون وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون. إذاً، ماذا نقول عندما يأتي شخص ويسأل: ما الجديد الذي أتى به نبيكم؟ فنقول له: لم يأتِ بشيء جديد، بل أتى ليكمل البنيان لا لينقض الناموس، الناموس الذي نزل على موسى. هو ليس آتياً ليهدمه ويبني شيئاً آخر، لا. قال: "إن مثلي ومثل النبيين من قبلي كمثل بناء يدخله أحدهم فيقول: ما أحسنه! ما أجمله! إلا
موضع لبنة تحتاج أن توضع هكذا ليكتمل البناء. لولا هذه اللبنة، فهي فقط التي نقصت. فأنا هذه اللبنة - صلى الله عليه وسلم - وأنا خاتم المرسلين". فيكون إذاً سيدنا رسول... الله إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، يعني مكارم الأخلاق كانت موجودة ونقص هذه اللبنة، فجاء من أجل أن يتم الناموس لا أن ينقض الناموس. قل ما كنت بدعاً من الرسل، أي أنني لست المرة الأولى أبداً، فأنا لم آتِ مخالفاً أبداً، إذاً ما الذي جاء به جديداً؟ لا. جلب كل خير،
ولكن على فكرة، كل هذا الخير أمر به موسى وعيسى وإبراهيم ونوح وآدم في جماعة من الرسل عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام. ولذلك في يوم الإسراء والمعراج، ماذا فعل إمام المرسلين؟ فهو إمام المرسلين، قال له: لعله أخّرك ليقدمك، يعني أتى به آخراً لكنه كان أولاً وإذ... أخذ الله ميثاق النبيين كلمة معناها أن أمتنا أمة واحدة عبر التاريخ، ولذلك لا يمكن لمسلم إلا أن يؤمن بعيسى، ولو كفر به خرج عن الإسلام، ولا يمكن لمسلم إلا أن يؤمن بموسى، لا يستطيع أن يشتم موسى، لا أستطيع ذلك، بل يجب علي
أن أقول سيدنا، لا أستطيع، ولا يمكن لمسلم أن يخرج عن ديانة إبراهيم "قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين" ويقول له "هو سماكم المسلمين من قبل"، إذاً يجب علينا أن نفقه هذا: أن هذه الكلمة "وإذ أخذ الله ميثاق النبيين" معناها أن الله كلما يرسل نبياً، كلما يؤكد عليه أنه من أمة واحدة ويأخذ عليه العهد والميثاق بذلك. من أولهم إلى آخرهم وكلهم ينتظرون سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو المسيح. المسيح يعني ماذا؟ المسيح هكذا الملك المنتظر. فالمسلمون
يقولون أنه هو المسيح، وغير المسلمين يقولون لا ليس هو المسيح. هذه هي القصة. نحن نصدق أنه هو المسيح الذي تكلم عنه العهد القديم والذي أشار إليه العهد. الجديد والآخرون يقولون لك لا، ليس هو المسيح. وسِّع صدرك، قل: طيب، حاضر. لكنه هو المسيح، هو محمد، إنه هو، هو المسيح صلى الله عليه وسلم. حينما آتيتكم من كتاب وحكمة، لأنني قد آتيتكم الكتاب ففهمتم منه حقائق الكون والحكمة، فعرفتم بها التفكير المستقيم، ثم جاءكم رسول الذي هو المسيح مصدَّق لما معكم، لتؤمنن به ولتنصرنَّه.
كل الأنبياء قال لهم ربنا: "أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري"، يعني الإصر: العهد واليمين، قالوا: "أقررنا"، قال: "فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين". فلما جاءهم، سبحانه وتعالى أرسله إليهم، ولكن النبيون كانوا قد ماتوا، وإنما كفر به أتباع الأنبياء، فإنا لله وإنا إليه راجعون. والحمد لله الذي جعلنا من غير حول ولا قوة منا من المسلمين، وإلى لقاء آخر نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.