سورة آل عمران | حـ 433 | 86 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

سورة آل عمران | حـ 433 | 86 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة - تفسير, سورة آل عمران
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة آل عمران يقول ربنا سبحانه وتعالى وهو يحيل أمر الدعوة إلى نفسه ويبين أنه ما علينا إلا البيان وأنه لا حول ولا قوة إلا بالله ولا حول ولا قوة. في أيدينا وأننا عبيد لله على حد سواء في عبوديتنا لله والخضوع إليه، المؤمن كالكافر يعني لا سلطان للمؤمن على الكافر ولا سلطان للكافر على المؤمن، فإن السلطان بيد الله وحده "لست عليهم بمسيطر" "إنك
لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء". حسنا وهذه العقيدة ماذا تفعل؟ تهدئة اتقبل الدعوة بهدوء وأنت تدعو تتحرر من انتظار النتيجة وتحصيلها، ليس من الضروري أن تحصل على النتيجة، اعمل الخير وألقه في البحر، ألق بكلمة فإذا بالكلمة تهدي بها ولكن بعد أن تموت يسمعها أحد وينقلها آخر ويقرأها ثالث فينتفعون بها، إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث علم ضمنها علم ينتفع به فهل
أنت الذي هديت أم الله الذي خلق الهداية في قلب أولئك فإنك لو ربطت عملك بالنجاحات ورأيت أن عملك لا ينجح فلن تعمل ولكن لو جعلته لله وعرفت هذه الحقيقة فاعمل ودع الله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء من خلقه فإذا بعملك الذي فعلته يؤثر ولو بعد وفاتك حتى أن بعض الناس قد أثرت وفاتهم بما لم تؤثر حياتهم يحكي رسول الله لنا فيما أخرجه مسلم قصة الغلام والملك والساحر والعالم وهذا الغلام أرسله
الملك كي يتعلم عند الساحر فكان يتردد على العالم فتعلم الإيمان ثم إن الملك اكتشف الحقيقة فأتى بالغلام وحاول أن يقتله مرارا ففشل، كلما جاء ليقتله كلما وجده الولد قادما إليه مرة أخرى، رماه من فوق جبل فجاء إليه، رماه في البحر فجاء إليه، وبعد ذلك قال له أتريد أن تميتني قال له نعم أتمنى ذلك، قال له هذا أمر بسيط جدا تأتي بي أمام المدينة كلها وتقول قال الله ربي هو رب الغلام وإن ضربتني بالسهم أموت، فقال له: حسنا، فجمع الناس وقال: بسم الله رب الغلام، ثم ضرب بالسهم فأصاب الولد فمات،
فقال الناس: لا إله إلا الله وآمنوا برب الغلام، أي أن هذا الولد بموته حقق الأثر الذي لم تحققه حياته، ففي حياته أحدث فتنة كفر بعضهم لا يزال ونصف نصف وبعضهم لم يسمع به، ولكن موته جعل الناس جميعا يؤمنون. فيبقى الأمر بيد من؟ يبدو أنه بيد الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون. فيقول ربنا وهو يقسم الخلق: كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم؟ أنت ما شأنك؟ ما هو أن أحدا يسأل: إذن هؤلاء لماذا أنت مالك أنت ما عليك إلا البلاغ بلغوا عني ولو
آية ودع الأمر لله فربنا حكيم وعليم لا تيأس يا أخي عقيدة بسيطة مثل هذه تجعلك لا تيأس تجعلك تعمل دائما تجعلك تعمل مخلصا لله ليس لكي تنتظر نتيجة فيقول لك كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءتهم البينات ثم ارتدوا على أعقابهم بعد أن عرفوا الحق ولكنهم من أجل الدنيا من أجل الهوى من أجل ظلمة الكفر ارتدوا على أعقابهم فكيف يهدي الله هؤلاء إن الأمر إلا لله والله
لا يهدي القوم الظالمين الذين ظلموا أنفسهم وظلموا إخوانهم ظلموا أنفسهم بأنهم لم يفكروا التفكير المستقيم لم يقدروا الله حق قدره لم يقدموا الباقي على الفاني وعكسوا الأمور فقدموا الفاني على الباقي ولذلك الإمام الغزالي يستغرب يقول إن هذا يدل على عدم التفكير المستقيم أن يقول لك أحدهم غدا سأحضر لك إبريقا من ذهب يبقى معك دائما ملكك أي أنك تأخذ إبريقا الآن من فخار على
سبيل الإعارة تختار ماذا تأخذ إبريقا من فخار الآن ولا يصبح ملكك أم تأخذ إبريقا من ذهب غدا ويصبح ملكك على الدوام فيقول ومن وعدك صادق لا يخلف وعده ما هو في بعض الناس تشك في الناس يقول لك الله أحياني اليوم وأماتني غدا أحضر لي الفخار الخاص باليوم وأخبرني هل ستصدق أم لا تصدق قال لك لا أنت متأكد من قدرته وعظمته ووفائه بوعده فاخترت مع ذلك الفخار
يبقى تفكيرك مستقيما أم غير مستقيم هذه هي الحكاية الحقيقية إنه هذا تفكير يكتنفه الشك شاك يكتنفه الهوى يكتنفه العجلة يكتنفه هكذا تفكير هذا الذي لي لا هات لي الفخار أحسن ليس ملكك قال ما عليه نتمتع بساعة ولا شيء أحسن من الذهب الذي للغد الذي سيبقى معي دائما ولكن هذا تفكير غير مستقيم ولذلك تكون قد ظلمت نفسك والله لا يهدي القوم الظالمين فاللهم اشرح صدورنا واغفر ذنوبنا واستر عيوبنا ويسر لنا أمرنا يا أرحم الراحمين وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته