سورة آل عمران | حـ 453 | 108-109 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة آل عمران يقول الله سبحانه وتعالى بعد أن ذكر لنا برنامجاً لتصحيح المسار فبدأه بقوله: ﴿واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا﴾ وذكر لنا كيف المعونة على ذلك فقال: ﴿واذكروا﴾ نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم ونبهنا إلى معجزة هي باقية إلى يوم القيامة إن التزمنا بالتكليف تشريفاً لهذه الأمة المباركة كذلك فقال فألّف
بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون وأمرنا أن تكون نحن أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر بعد أن تدعو إلى الخير، "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"، وحذرنا من الفرقة وأمرنا بدراسة الأمم السابقة حتى نستفيد منها فقال: "ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم" عذاب عظيم وبيّن أن الحساب إنما هو مؤجل إلى يوم القيامة وأن علاقتنا في الدنيا مستمرة
في الحياة وفي الجوار لعل الله سبحانه وتعالى أن يهدي بنا ولو إنسانًا واحدًا فيكون خيرًا لنا مما طلعت عليه الشمس وما غربت فقال: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ إلى آخر الآيات بعد ذكر هذه الآيات قال سبحانه وتعالى: "تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق"، يعني يؤكد على أن هذا البرنامج هو برنامج رباني، وأن فيه البركة، وأنه ليس من وضع البشر. "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير"، فالله رب العالمين الذي يعرف حركة التاريخ، والذي يعرف أفراد الناس واحداً واحداً، والذي يعرف... ما يجري به اللسان وما
يقع في القلب والذي يعرف علاقات كل ذلك هو الذي أرشدنا إلى هذا المعنى، ليس أحد سواه. تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق. هذا الكلام مفروض في الإيمان ما دمت مؤمناً بالله. دائماً أنا أعرف هذا الجزء، إذاً هو يؤكد للمتردد ويُعلِم خالي. الذهن هو يعلّم خالي الذهن ويؤكد للمتردد: "تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق". انتبه واحرص! حسناً، وبعد ذلك؟ لقد قال "احرص" كثيراً، فاحرص الآن. "ويحذركم الله نفسه". احذروا، هذا ربنا يقول
هكذا: "تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلماً للعالمين". حقاً، الله عظيم. قوي كبير ليس في حاجة إلى البشر، لا في حاجة إليك، أنت الذي في حاجة إليه. فلماذا يظلمك؟ إن الظلم يصدر من صاحبه لنزاع، لأن الظلم هو التصرف في ملك الغير. فهذا الشيء ملكك، وأنا أريد أن أنتزعه منك، فأظلمك بكل وسيلة: إما أن أسرقه منك، وإما أن أقتلك لكي آخذه، وإما أن... أنا أستولي عليه
قهرًا وإما أن أحتال عليك بالحيلة فأظلمك. فالظلم لابد أن يكون بين طرفين، المظلوم في الحقيقة هو الطرف القوي، والظالم هو الطرف الضعيف ولكنه يمارس ظلمه من أجل أن يخفي ضعفه. هل الله ضعيف؟ لا. هل الملك ليس ملكه؟ نعم. وعندما يكون الملك ملكه، فمن الذي سينازعه؟ سيأخذ من مَن يعني؟ سيأخذ من مَن؟ ولذلك الظلم ليس متركباً مع ربنا، لا يمكن، لماذا؟ بالتعريف الظلم هو التصرف في ملك الغير، هذا هو ظلمه. لكن الملك مِلكُه، لا مِلك إلا مِلكه، وهو مالك
يوم الدين، وملك يوم الدين، وله ملك السماوات والأرض. إذن لا يوجد ظلم أصلاً. عندما يريد، ولكن القاصرين لا يفهمون هذا وعندهم مرحلة مع إثبات وجود الله يشعرون فيها بالندية، أي أنهم شيء والله شيء أيضاً. كيف تجد أحدهم عندما تصيبه مصيبة يقول لك: "لماذا هكذا يا رب؟"، أي أنه يحقق مع الله. "لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون". لم تدخل بعد في نفسه ولم تدخل في عقله، وأغلب البلاء ينبع من هذا الشعور بالمساواة: أن الله موجود وكل شيء، ولكنني أنا موجود أيضاً كثانٍ، وليس
أنه موجود في الإنسان منّا بوجوده سبحانه وإرادته، وأنه لو قطع عنا الإمداد لذهب الاستعداد ولفني الخلق أجمعون. لا، إنه لا يفهم هذه الحقيقة، ولذلك هو محجوب. فينبهون ويقومون ويقولون وما الله يريد ظلماً للعالمين ولله ما في السماوات وما في الأرض، ما هذا؟ نعم، إنه كذلك، وما الله يريد ظلماً للعالمين يا بني آدم لأن الله له ما في السماوات وما في الأرض. واضحة هي، ما بالك أنت ستتردد أيضاً في هذه الحقائق؟ حقيقة ومن... الحقيقة هي أن الله مالك السماوات ومالك الأرض ومالك ما
بينهما ومالك كل شيء فيها، فهو ليس ضعيفاً، فلماذا سيظلم؟ لن يظلم. إنما أنتم الذين تظلمون بعضكم هكذا أو تظلمون أنفسكم، وإلى الله ترجع الأمور. هذا إظهار للقوة، يقول: أنا قوي، وإلى الله ترجع الأمور. تأتي الآية التي يفتخر بها المسلمون لكنها كما قلنا مراراً فيها تشريف وقبل التشريف تكليف "كنتم خير أمة أُخرجت للناس". وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.