سورة آل عمران | حـ 463 | 116 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

سورة آل عمران | حـ 463 | 116 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة - تفسير, سورة آل عمران
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة آل عمران يقول ربنا سبحانه وتعالى: "إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون". يبين حقيقة إيمانية حياتية وحقيقة. إيمانية أخروية، أخروية في الآخرة، يعني حقيقة في الدنيا وحقيقة في الآخرة أن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم. الكافر
الغني تجده يحصل على كل شيء بماله وسلطانه. أولاده كانوا قديماً يمثلون العصبية، والأولاد أيضاً الذين له يصنعون له قوة، فهو يشعر في نفسه هكذا أنه يستطيع تحصيل كل شيء. بماله وهذا شعور يشعر به كل الأغنياء الذين معهم أموال كثيرة، يشعر فعلاً أن المال سلطة يستطيع أن يشتري به كل شيء، أي شيء هو يريد أن يفعله ويدفع ثمنه، فيشعر أنه لا يوجد شيء لا يستطيع
فعله. إيمانه عندما يكون مؤمناً يجعله يقف عند حده قليلاً، يوقفه ويقول له. لا، هذا أن الله على كل شيء قدير، وأنت تظن أنك على كل شيء قدير. هو يقول لنفسه هكذا: أبداً، إن ربنا هو الذي على كل شيء قدير. فتجده يوقف نفسه في شعوره الداخلي، ولذلك عندما تدعوه نفسه إلى ظلم الناس، يراجع نفسه وتجده يخاف كثيراً. من كلمة حسبنا الله ونعم الوكيل، حتى أن بعض الناس يستغل الخوف منه ويهدده بها، فيقول له هكذا: "حسناً، سأتحسبن عليك"، فيقول له: "لا لا، خذ، ها هي الأموال حتى لا تتحسبن علي". إنه يخاف الله، نعم، هذا مؤمن، وإيمانه هو الذي علمه ألا يظلم الناس، ولكن...
ليس هناك إيمان قوي يجعل المرء يتمادى به الأمر ويظن أنه فعلاً يستطيع شراء كل شيء حتى الناس حتى المشاعر، فيعطي المال لكي يحبه الناس. الحب لا يأتي هكذا، فالناس تأخذ منه المال وتقول له أنا أحبك بلسانها فقط، لكنها في قلبها لا تحبه. سبحان الله، وكان لدينا أحد الأغنياء. في مصر قديماً أحضر رجلٌ واحداً من عنده وقال له: "قُلْ هكذا يا ولد: يا رب أعطني جرّة". فقال: "يا رب يا رب أعطني جرّة".
قال له: "هل أعطاك شيئاً يا ولد؟" قال له: "لا، لم يعطني". قال له: "قل هكذا: يا فلان أعطني جرّة". فقال له: "يا فلان"، يخاطبونه هو. يعني أعطني بقرة، فقال له: خذ من الحظيرة بقرة هنا. وأعطاه بقرة، فالرجل قال له: ربنا يحفظك، ربنا يحفظك، انتبه جيدًا، لا توجد فائدة، ربنا يحفظك، ربنا يكرمك، ربنا يرزقك. فقالوا: انظر، الولد ما زال يقول ربنا. يا هو هذا الذي أعطيتك البقرة؟ فقال له: نعم، ماذا غير ذلك؟ نعم يا سيدي، صحيح. أنت الذي أعطيتني البقرة، وعندما خرج قال: "انظر إلى الأحمق". أنا كنت أقول: "يا رب أعطني بقرة"، فأعطاني بقرة. فمن الذي أعطاني البقرة الآن؟ إنه الله، ولكن عن طريق هذا المغفل، لأنه صاحب غفلة. إن الذين كفروا بهذا الشكل ويظن
أنه هو الذي... يُعطي وهو الذي يمنع وهو كذا إلى آخره. لن تُغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً لا في الدنيا ولا في الآخرة. جاء رجل في الماضي من الأغنياء عليه زكاة لا يريد أن يُخرج الزكاة، فتحايل على نفسه. فأحد من أبالسة الناس قال له: سهل، كم عليك؟ قال له: لا. كيسان كبيران من القمح من جهة الزراعة، وعلى مائة جنيه ذهب زكاة ماله. قال له: ضع المائة جنيه ذهب، ضعهم في كيس القمح. التقى واحداً فقيراً وقال له:
خذ كيس القمح، ها قد ملَّكتك إياه، هذه زكاة. جاء الفقير وأعطاه هكذا. قال له: هذه زكاة. قال له: يا... أتبيعني هذا الكيس؟ ماذا ستفعل به؟ فأجابه: نعم يا سيدي، سأخبز به ونأكل. سأله: بكم هو في السوق؟ قال له: في السوق بثلاثين قرشاً. فقال له: خذ جنيهاً وأحضره، حتى لا أتعبك وأرسلك إلى السوق هكذا. وأخذ منه الكيس مرة ثانية الذي هو فيه الكيس. أعطى مائة جنيه واعتبر بذلك أنه أخرج الزكاة لأنه سلمها للفقير، وأنه الحمد لله استرجع المائة جنيه لأنه اشتراها منه بما يرضي الله. هناك أناس يفعلون هكذا كثيراً في حياتنا الدنيا ويخدعون الناس والفقراء والمظلومين والمضطهدين، ثم يأخذ ما يريد ويستمتع وينتهي الأمر، وفجأة
أصيب. ابنه الوحيد مرض فذهب به إلى الأطباء، وكلما ذهب بالولد إلى الأطباء ازدادت حالته سوءاً وهو ينفق. وبعدما أنفق ستين أو سبعين جنيهاً، تنبه إلى أنه خادع الله وخادع الخلق في مسألة الزكاة هذه. فماذا يفعل؟ قال: "يا الله، ماذا أفعل الآن؟ إنني أرى الولد تتدهور حالته وأنا أستمر في الإنفاق." وها نحن اقتربنا إلى حد المائة جنيه. لم يستطع أن يصنع شيئاً حتى استوفى تمام المائة. أنفق على
ابنه المائة جنيه كاملة، وبعدما أنفق على ابنه المائة جنيه مات الولد. فأصبحت المائة جنيه ذهبت وصُرفت في المرض والولد مات. هذه هي الحكاية. نحن نخادع مَن؟ أنت تخادع ربنا، ولكن هو يعلم. الله تعالى من الممكن أن يُمرض لك الوقت ويأخذه، ويأخذ منك المائة جنيه أيضًا. أليس من الأفضل أن تذهب هذه الأموال إلى الفقراء لتسد حاجتهم وتدعم تعليمهم وصحتهم وغير ذلك؟ والناس الذين ينفقون في سبيل الله ويخرجون هذه الأموال، نقول لهم: إنها تزكي مالك وتحميه، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار. ماذا تظنون ذلك؟ هكذا عندما تفعل الخير يقوم ربنا سبحانه وتعالى بسترها معك، أما إذا
كفرت بالله ولم تنفذ فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون. نسأل الله السلامة. اللهم وفقنا إلى ما تحب وترضى، وإلى لقاء آخر نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.