سورة آل عمران | حـ 479 | 133 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

سورة آل عمران | حـ 479 | 133 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة - تفسير, سورة آل عمران
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة آل عمران يقول ربنا سبحانه وتعالى: "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين". وهذه الآية تصلح لأن تكون مبدأً عاماً في العلاقة بين الإنسان وبين... ربه مبنية على المسارعة فلا بد أن تفر إلى الله لا أن تفر من الله، فلا بد عليك أن تفر إلى الله، والفرار يقتضي المسارعة. فلا تتأخر، لا
تتأخر في الطاعة ولا تتأخر في البعد عن المعصية، لا تتأخر في العبادة ولا في عمارة الأرض ولا في تزكية النفس ولا. في المراقبة والتوبة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى وسارعوا إلى مغفرة، وهذا مبناه قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "كل بني آدم خطّاء، وخير الخطائين التوابون". كل بني آدم خطّاء، و"خطّاء" على وزن فعّال، وهو وزن يقتضي الكثرة، يعني كثير الخطأ، فإن الإنسان ما دام يعمل فلا بد. أن يخطئ
وليست العبرة في أننا نخطئ ولكن العبرة في أن نستمر على الغلط والخطأ بعد أن ندرك خطأنا. وليست العبرة في أن نخطئ ولكن العبرة هي في المراجعة والمحاسبة. حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، فالعلاقة بين العبد وربه مبنية على المسارعة، وطبيعة الإنسان مبنية على الخطأ وكثرة الخطأ وعلى... ذلك فلا بد علينا من العودة سريعا والله سبحانه وتعالى قد فتح لنا الأمر فتحا ظن به بعض القاصرين أن فيه تهاون لأن الله سبحانه وتعالى يقول يا ابن آدم لو جئتني بتراب الأرض ذنوبا ثم
جئتني تائبا لغفرت لك فبعض الناس يقول الله يعني أنتم تسمحون للإنسان دائما أنه يخطئون عندما قالوا هكذا فيما اعترضوا به على الإسلام. أنتم تعترضون على الإسلام أنه فتح باب الرحمة، أنه فتح باب العودة، أنه فتح باب التوبة! شيء غريب! الإسلام عرف طبيعة الإنسان لأن الإسلام من عند الله والإنسان من خلق الله، ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير؟ ففتح له أن... يعود إذا أذنب، وإذا أذنب مرة ثانية يعود أيضاً، وعشر مرات أيضاً يعود. ماذا سنفعل إذن؟ إن طبيعة البشر أنه يأتي تائباً اليوم، باكياً ومنتحباً وفاعلاً كل شيء، يبكي، ثم بعد ذلك في آخر
النهار يعصي أيضاً. لا توجد فائدة! ماذا نفعل به إذن؟ أنذبحه أم نفتح له باب المغفرة التوبة فالله سبحانه وتعالى يقول: "يا ابن آدم لو جئتني بقراب الأرض ذنوباً" وفي رواية البخاري في إحدى الروايات: "بقراب الأرض ذنوباً ثم جئتني تائباً لغفرت لك". قال العلماء: وهل هذا يتصور؟ هو يتصور أن تأتي بقراب الأرض ذنوباً؟ حسناً، افعلها هكذا، انظر كم يوماً ستعيش إلى أن... يكون عندك مائة وخمسين سنة وانظر كم ساعة في اليوم، وكم دقيقة في الساعة، وكم ثانية في الدقيقة، واضرب وانظر الرقم، وسترتكب
ذنباً كل ثانية، سترتكب ذنباً كل ثانية، ما رأيك أنه لا يوازي متراً مكعباً من التراب، هكذا متر مكعب من الرمل، وعُدَّ حباته ستجدها أكبر بآلاف. ماذا تظن لو أنك لا تستطيع معصية الله لعدد مرات يعادل تراب الأرض لمدة مائة وخمسين سنة؟ ما رأيك أنك لا تعرف كيف تعصي الله هذا العدد الهائل؟ هل تعصي الله بعدد ذرات تراب الأرض أم لا تعصيه أبداً؟ ماذا يعني هذا؟ أنني لا أعرف كيف أعصي الله. شخص يريد قومٌ لا يعرفون الله، فهل عندما فتح الله عليك قال لك يا أستاذ؟ إن الله واسع. إذا كنت أنت لا تعرف
كيف تعصي إلا في متر مكعب، فما بالك بالأرض كلها، ملايين الكيلومترات المكعبة! أهذا الإله الكريم يستحق منك قلة الحياء والتسارع في المعصية؟ ألا تخجل وتستحي من الله الكريم الذي وسَّعها لك كثيراً هكذا يقتضي منك شيئاً من الندالة، يعني أنك أول ما قال لك هكذا، الشخص السوي يقول: "أنا عمري ما عصيت الله"، هذا كريم جداً وسارع إلى مغفرة من ربنا. حسناً، نحن سارعنا إلى مغفرة من ربنا، وربنا قَبِلَ المغفرة، خلاص. لا يكون لنا ولا علينا، سقانا ورزقنا ومتعنا
في الحياة الدنيا، وصار يطعمنا بعض الفواكه وبعض اللحم وبعض الطعام وبعض كذا وانتهى الأمر، لا لنا ولا علينا. لا، بل يقول لك: وجنة عرضها السماوات والأرض. الله سيغفر لك ولن يكتفي بذلك، بل سيعطيك أهنأ العطية، وعطيتك أعظم العطايا وأهنأها، أعظم عرضها السماوات والأرض، ماذا تريد بعد ذلك؟ ولذلك يجب عليك أن تتقي الله في نفسك، ولذلك ختمت الآية بقول: أُعدّت للمتقين، وليست أُعدّت للفاسقين ولا للغافلين، بل لمن حاسب نفسه قبل أن يُحاسَب، ووضع
لنفسه منهاجًا مع ربه أساسه: "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات". والأرض بما يشتمل عليه من تقديم الشكر والحمد والخضوع والحب لله رب العالمين، وإلى لقاء آخر نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.