سورة آل عمران | حـ 485 | 139 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

مع كتاب الله وفي سورة آل عمران يقول لنا ربنا سبحانه وتعالى ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين هذه الآية بغض النظر عن سبب نزولها موجهة إليك وإلى جماعة المؤمنين إلى يوم الدين إذن آية تأمرنا ألا يصيبنا الوهن وألا يصيبنا الحزن لأن الوهن هو ضد الهمة ولأن الحزن هو ضد الدافع
الداخلي والسرور والحبور الذي يدفع الإنسان للعمل، فإذا كان الإنسان مهموما وواهنا ضعيفا، والوهن هو الضعف وفيه لغتان: بالسكون والفتح، يعني الوهن والوهن، والقاعدة في العربية أن كل ما كان على وزن فعل وعينه حرف من حروف الحلق الستة جاز فيه السكون والفتح. ابن يونس يقول إذا استطعت أن تقول نهر ونهر استطعت أن تقول
بغل وبغل استطعت أن تقول شغب وشغب استطعت أن تقول وهم ووهن تقدر كذلك لماذا قال على وزن فعل والعين الخاصة به حرف من حروف الحلق الستة ما الحروف الستة هذه الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء في فهاء ثم عين حاء مهملتان يعني ليس لهما نقط، ثم غين خاء، هذه هي حروف الحلق. فالأول الإظهار قبل أحرف الحلق ستة رتبت في التعريف: همزة فهاء ثم عين حاء
مهملتان، ثم غين خاء. فالوهن هذا أو الوهن هو الضعف، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ويلقى قلوبكم الوهن أو الوهن قالوا وما الوهن يا رسول الله قال حب الدنيا وكراهية الموت سبب الوهن هو كذلك الوهن يعني ما ليس فيه همة فربنا سبحانه وتعالى ينهانا عما يؤدي إلى عدم الهمة من التهاون من الحزن من الوهن وهكذا ولا تهنوا ولا تحزنوا
وأنتم الأعلون وأنت عندما تتأمل هذه الحياة الدنيا فترى نفسك مؤمنا بالله وبرسوله وبكتابه وبشرعه فأنت الذي معك الحق والذي معه الحق دائما يكون قويا والذي معه الحق وإن خالفه الناس هو الذي يقدم لهم الخير ولذلك لو أطبق الناس على الشرع وكنت آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر داعيا إلى الله وإلى الخير فأنت الأعلى واليد العليا خير من اليد السفلى، هذا الشعور متى تشعر به؟ عندما تشعر وتعرف وتعتقد بإيمانك،
أما إذا نسيت هذا الإيمان ونسيت هذه الحالة والقضايا التي تتعلق به وكنت فردا من أفراد البشر، آه حينئذ فإن من كان أقوى منك كان أفضل منك، ومن كان أكثر منك كان أفضل. منك ومن كان أقل منك كان أفضل منك ومن كان أكثر صحة منك كان أحسن منك وهكذا، ولكن متى تكون تشعر بالعلوم تكون كذلك، إذا ما شعرت بالإيمان فالله سبحانه وتعالى يذكرنا بحالة نحن فيها قد نلتفت إليها عند استحضار الإيمان وقد تغيب عنا عند خفاء الإيمان وعدم استحضاره حتى مع وجوده ما
أنت مؤمن بل مستحضر إيمانك أم غير مستحضر إيمانك ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين يعني إن تذكرتم هذه الحقيقة وكنتم مؤمنين مستحضرين لإيمانكم فستستحضرون في الوقت نفسه العلو وحينئذ لا يصيبكم ضعف الهمة ولا التهاون ولا الوهن ولا الحزن ولا الإحباط لأنكم ستؤدون هذا كله في سبيل الله وما كان في سبيل الله لا تنتظر معه نتيجة، فإذا نصرك الله حمدت الله وإذا لم ينصرك الله فقد أجل النصرة وأنا مالي، لست
عليهم بمسيطر، فنفعل ما أمرنا الله سبحانه وتعالى به، ولذلك عجيب أمر المؤمن أن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر لأنه مؤمن يعرف أن هذا من عند الله وإن أصابته ضراء صبر لأنه مؤمن ويعرف أن هذا من عند الله لا يختلف معه لا في الضراء راض يطغى وينسى فضل الله عليه ولا في الضراء راض ينسى ويتبرم ويخرج من حدوده أبدا في السراء يشكر فيؤجر وفي الضراء يصبر فيؤجر
فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون، فاصبر صبرا جميلا إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا. يبقى كل هذا إنما هو مرتبط باستحضار الإيمان إن كنتم مؤمنين، يعني إن كنتم مستحضرين لحقيقتكم في الإيمان فلا تهنوا ولا تحزنوا لأنكم في حالة العلو والإسلام يعلو ولا يعلى عليه، صدق. رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته