سورة آل عمران | حـ 507 | 155-156 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

سورة آل عمران | حـ 507 | 155-156 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة - تفسير, سورة آل عمران
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة آل عمران يقول ربنا سبحانه وتعالى وهو يرشدنا كيف نفعل عند التقصير وكيف نفعل عند القصور وكيف نفعل عند الخطأ والخطيئة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا﴾ استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن
الله غفور حليم يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير إنَّ الذين تولَّوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان، إذاً فهي معصية وهي خطيئة. ما الصورة؟ التقى الجمعان يعني في حرب، ودام
في حرب يعني في مشقة وفي معاينة للموت وفي احتمال كبير للموت. الواحد وقف في الحرب لا يعرف إذا كان سيرجع سالماً أو سيرجع غانماً أو سيرجع مقتولاً. أو سيعود مهزوماً، يعني لا يعرف، كل الاحتمالات واردة. ممكن أن يُقتل وننتصر، ممكن أن يُقتل وننهزم، ممكن أن يعيش وننتصر، ممكن أن نعيش وننهزم. كل واحد يكون [حاضراً] إذا كان هذا التقاء الجمعين، فيه مشقة وفيه معاينة للموت. وأنت تقرأ القرآن، تخيل
أن أجلس هكذا أقرأ آية وأتخيلها: "التقى الجمعان"، يكون هناك جيش وجيش أمامه. يتقاتلون، يتقاتلون بالسيوف، يتقاتلون بالبنادق والدبابات والطائرات، ها هي! ها هي! لقد تطور السلاح، لكن الحرب تبقى حرباً، وفيها أذى، وفيها مشقة، وفيها احتمال الموت. التقى الجمعان، ماذا فعل أخونا هذا؟ تولّى، هل تولّى عن ضعف أم تولّى عن كفر؟ لا، هو في هذه المشقة تولّى عن ضعف، وهذا الضعف أصابه مع... ما هذا مع نسيان القضية، نسي نفسه، نسيان الله،
نسيان الموقف الذي هو فيه، وجد نفسه يهرب مسرعاً، أخذ يجري فهرب. إنه شعور بشري، تولى، تولى يوم الزحف، أي هرب من المعركة، لم يستطع أن يكمل. حسناً، هل الجبن والخوف الذي أصابه هذا قضى على إيمانه أم ماذا هو في الحقيقة؟ يأتي من تقصير في التذكر، تقصير في التربية، تقصير في استحضار المعاني، وأنه إلى أين هو ذاهب؟ هناك غيره
ذاهب وهو متطلع للجهاد في سبيل الله حتى لا يكون بينه وبين الجنة إلا أن يموت، فالجنة مستحضرها في مقره، وهو ترك نفسه لنفسه، نسي نفسه، جمع أمتعته وجرى. مسألة نقولها. إنها مسألة فطرية، قوم ربنا يطمئنهم ويفتح لهم الباب لكي يعودوا، على أنهم لم يكونوا يجرون كفراً أو عدم اعتقاد بالإيمان أبداً، هذا ضعف، إنما استزلهم الشيطان. إذاً، إذا كان الشيطان قد طلبهم، فهذا يعني أننا أدخلنا عنصراً آخر غير النفس. فعندما أقول لك أنت فاشل تغضب،
لكن عندما أقول لك... أن زميلك خذلك، تقول: "نعم، هو الذي خذلني". في الحقيقة أنت أيضاً استجبت للخذلان، وأنت مسؤول أيضاً. أما التربية، فعندما تأتي لتربي، لا تجلس تلوم الولد والبنت وتقول لهم: "أنتم شياطين هكذا". لا، فهناك شيء ما هو الذي جعلك تفعل هكذا. إنما استزلهم الشيطان، الشيطان. هو الذي ضحك عليك فتقوم أنت وتقول: نعم والله، أنا في الأصل ابن حلال طيب. يبدو أن القضية تحتاج إلى تشجيعي، لكن كلما ضل وتاه الولد الصغير، والإنسان عامة وليس الصغير فقط، تقوم وتقول له: نعم، هذه من عند الشيطان. والحقيقة أن الشيطان استزل ما... لا يَفهَمَنَّ أحدٌ أنه لا يوجد شيطان
وأن هذا مثلاً الشيطان الذي قال عنه ربنا لكي يحملنا المسؤولية، لا، بل يوجد شيطان فعلاً، لكنك أيضاً أخطأت بأنك طاوعت الشيطان، وهو لم يجلب لك هذه المسؤولية. لقد دخل من مدخل، إنما استزلهم الشيطان، فهذا نوع من أنواع التربية. الشيطان موجود ويوسوس ويصادق. السوء موجود، وخليل السوء موجود، وأحياناً يُضلك، لكنك أنت استجبت له. لماذا؟ لأنك ناقص في هذا الجانب، فكان يجب عليك أن تكمل. إذن "إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا"، هذا الجانب تربوي يمكننا أن نأخذ منه طريقة
للتربية. ولماذا تسلط عليك الشيطان؟ قم وانظر إلى الكلام "ببعض ما كسبوا"، لأنك أنت فتحت [المجال]. بوابة للشيطان، فالشيطان أحياناً يرى شخصاً يركض، وأحياناً يرى شخصاً ويقول: "نعم، هذا هو الذي سأعمل عليه". إذا سلك عمر طريقاً، لا يسلك الشيطان ذلك الطريق. أي أن سيدنا عمر وهو يمشي هكذا، يقوم الشيطان بالنظر إليه ويقول: "الله! وما شأني بهذا الرجل؟ إن شكله...". عندما يقترب وقت مجيء جاري، يكون هناك أناس حين يراهم الشيطان وهم مكتسبون للمعصية وفاتحون البوابة هكذا ومواربوها، فإنه يرغب في الدخول. فتكون أنت الذي تُطمِع الشيطان فيك.
وهذا معناه دعوة إلى الطاعة التامة والتبرؤ من المعصية التامة. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.