سورة آل عمران | حـ 526 | 171-172 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

سورة آل عمران | حـ 526 | 171-172 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة - تفسير, سورة آل عمران
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. اللهم اشرح صدورنا واغفر ذنوبنا واستر عيوبنا. مع كتاب الله وفي سورة آل عمران، يقول ربنا سبحانه وتعالى في شأن أولئك الشهداء الذين سبقونا إلى الله وهم ينظرون إلينا من علوٍ، أي من مكانٍ يعني ماذا يقولون؟ من عُلُوٍّ، كما قال امرؤ القيس: "مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ معاً، مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ معاً، كَجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلُ"، يعني من مكانٍ مرتفع. فالشهداء ينظرون إلينا من عُلُوٍّ، من عُلُوٍّ، يعني عين لام هكذا، لكن معناها العلو والارتفاع. قال: "يستبشرون بنعمةٍ مِن".
الله وفضله وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين، فانظر كيف يطلبون البشرى في أي شيء في النعمة التي هم فيها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن أرواح الشهداء تدخل الجنة مباشرة، فهي في حواصل طير أخضر يطوف بالجنة، فيرزقه الله سبحانه وتعالى شرباً وأكلاً وراحة ونسيماً ورائحة جميلة. فهو في نعمة من الله وكذلك يحاول أن يستبشر يطلب البشرى لنا ونحن لم نلحق به يعني ينظر إلينا ويقول لنا ليتكم تأتون من بعدي، فأنتم لو عرفتم ما فيها ما تمسكتم بالدنيا.
يستبشرون بنعمة من الله هم فيها وفضل، والفضل هو الزيادة عندما يكون هناك شيء هكذا. ثم تزيد، وهذه الزيادة سمّوها فضلاً، ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان عنده فضل مال". فضل المال يعني ماذا؟ يعني مالاً زائداً عن حاجته، فليتصدق به على من لا فضل له. المسألة ضيقة قليلاً، فمن لديه مال وفير يتصدق بالفائض، وهذا تعاون، وهكذا يكون لهم الحسنى نعمة من عند الله، أما الزيادة فهي فضل من عند الله.
إذًا ما الفرق بين النعمة والفضل؟ النعمة هي الأساس، والفضل هو الزيادة. هؤلاء الشهداء الذين لهم عند ربنا، ماذا لهم؟ هي دخولهم الجنة، وهذا أمر. ولكن هل هذا هو النهاية؟ لا، بل هناك المزيد. لهم فضل زائد الجنة وزائد عليها، وما هذه الزيادة؟ انظروا إلى الزيادة: فهم لهم الحسنى وزيادة، وقد قيل إن الزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم، "وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ". وهذه لذة تفوق الجنة نفسها، فما هي هذه الجنة؟ إنها الجنة التي فيها ما لا عين رأت.
ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، أما رؤية الله فلا تقل لي أنها توصف، فهذه شيء آخر، هذه زيادة، هذا فضل، وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين. طيب، هل كان من الممكن أن يضيع الله أجر المؤمنين حتى نقرر هكذا: "وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين"؟ هو... أنت لك حق عند ربنا أصلاً! هل أنت لك شيء عند ربنا أصلاً؟ ستقول له: "لقد صليت لك"، فيقول لك: "لقد أعطيتك عينين". وتقول له: "لقد زكيت لك"، فيقول لك: "أنا الذي أعطيتك هذا المال، فالمال كله ملكي". وتقول له: "لقد صمت لك". لا يقول لك أنا الذي رزقتك، كان من الممكن ألا أعطيك، كان من الممكن أن أجعلك لا
تجد الطعام من الصباح إلى المغرب. من الذي وضع الطعام أمامك؟ فلن ننجح في أن نفعل معه شيئاً. تقول له: حسناً، أنا حمدتك وقلت لك الحمد لله. يقول لك: من الذي وفقك لأن ربنا فكان لازماً أن تقول له: "يا رب، الحمد لله أنك وفقتني أن أقول لك الحمد لله". طيب، وبعد ذلك؟ هذا لن ننتهي منه. قال لك: لن تنتهي. ولذلك أنت محاط هكذا بنعمة الله من فوق إلى تحت، ولذلك يقول لك ماذا؟ "الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده"، يوافي يعني بقدر النعم التي له، فهذه نعمة الله لا تُحصى، إذاً يستحق حمداً لا يُحصى. إنني سأعجز، بل قد عجزت فعلاً عن أن أحمد ربنا حمداً يوافي
نعمته ويكافئ مزيده. مزيد ماذا؟ مزيد هذه النعم ومزيد هذا الحمد. كل حمد يستدعي حمداً آخر، فعندما تأتي وتقول له: إذاً أنا... ليس لي أجر عندك لأن كل النعم التي أعطيتني إياها في الدنيا تساوي كل الطاعات التي أؤديها، وبعد ذلك هذه النعم مثل نعمة البصر ونعمة السمع ونعم أخرى مستمرة، لكننا نصلي ماذا؟ خمس مرات بالكاد، يعني حوالي سبع عشرة ركعة، سبع عشرة دقيقة في اليوم، في الأربع والعشرين ساعة. وأربعٍ وعشرين ساعة، لكن هذه أربعٌ وعشرون ساعة، البصر معك، السمع معك، فلا يمكن إذاً أن نكون بلا أجر عند الله. فيطمئننا الله،
لا وأكثر من ذلك، وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين. ياه، أهكذا هو لا يضيع أجر المؤمنين، والصلاة التي صليتها هذه، التي وفقك الله فيها، سيعطيك. عليها أجر والحمد لله الذي قلتها بعد أن أكلت، سيعطيك عليها أجراً. والحمد لله الذي قلتها عندما ضاق عليك رزقك، سيعطيك عليها أجراً. أو عندما أصابك بعض المرض، سيعطيك عليها أجراً. وإن الله لا يضيع أجر المؤمنين. تخيل إذاً ما هذا الفضل؟ إنه فضل زائد، نعم فضل التي هي الزيادة وزائدة أيضاً لأنها من الله الواسع الرحمن الرحيم، أولئك هم المؤمنون، أولئك
الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح الذي حدث في أُحد، حيث رجعوا مهزومين. كيف يكون شكل المهزوم؟ إنه مكسور من الداخل، لا يعود فرحاً، مكسور من الداخل لا من الخارج. أيضاً إذا حملت ذلك السيف القديم، فإن يدك ستتأرجح. كيف كانوا يضربون به إذن؟ وأيضاً لا مانع من أن يصيبني سهم هنا، أو ضربة سيف هناك، فيرجع الجرحى في دمائهم بعد تلقيهم ضربة سيئة. فنحن نسمي ذلك بماذا؟ "القرح". نحن نسمي التهاب المعدة قرحة لأنها تعني
القرحة. هذه حالة سيئة ومؤلمة، فهم عائدون يا عيني من الداخل والخارج، أي أنهم متعبون جداً. وبعد ذلك يريدون الراحة. وهناك شخص قال: "نعم، انتظر حتى أرتاح ثم سأغادر"، فقال له: "ماذا تفعلون يا سيدنا رسول الله؟" "ماذا تفعل أنت؟" قالوا: "سنغادر الآن"، فقال لهم: "لا"، وراءهم. انظر إلى هذه القوة، وراءهم شخص متصلب أحضروهم هؤلاء. نعم إنه يربيهم على أن يصبحوا رجالاً، على أن يكونوا نبلاء فرساناً نبلاء، لا أن يضربوا ويبكوا. حسناً، لا،
اذهب وراءهم، فأدركوا المشركين عند حمراء الأسد، ودخل المشركون فزعين مكة. فمن الذي انتصر في النهاية؟ المسلمون. لقد دخل المشركون مكة وهم يتلفتون وراءهم، الذين استجابوا. لله والرسول ما قالوا له: "لا، الآن نحن متعبون، أليس كفاية أننا ضُربنا؟ لا، وهذه تحتاج إلى وقفة". فإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله