سورة آل عمران | حـ 528 | 173-174 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

سورة آل عمران | حـ 528 | 173-174 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة - تفسير, سورة آل عمران
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مع كتاب الله وفي سورة آل عمران يقول ربنا سبحانه وتعالى بعدما أخبر عن حال المؤمنين عندما خوفوا من المشركين الذين قال لهم الناس أن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل. قال تعالى بعدها: "فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم". هاتان الكلمتان وهاتان الآيتان كثير
من الناس لا يعرفون كيف يعيشونهما مع الموعظة، مع الشرح، مع التوضيح. لا يعرفون كيف يعيشون كلاماً قد يراه المؤمن أنه سهل، في حين سبحان الله. أن كثيراً من الناس غير قادرين أن يصلوا، غير قادرين أن يفهموا، غير قادرين أن يعيشوا هذه الحلاوة التي هي أنك تتوكل على الله. غير راضٍ، يريد أن يقول لك: "لا، أنا لا أريد أن آخذ العطلات، أنا أريد أن أعمل، أنا أصنع الشيء بيدي هكذا"، نعم يا سيدي، اعمل وقل يا رب توكلت. قلبك هو الذي مع الله. الفلاح
ماذا يفعل؟ يلقي الحبل ثم يدعو: "يا رب". حسناً، افترض أنه لم يجد الحبل، والله لن يكون هناك زرع. طالبٌ وجد الحبل ولم يقل: "يا رب"، يخرج مرة فتأكله الهلوكة، ومرة أخرى يفسد، وتأتي بعض الأمطار فتأخذه، الله أعلم. فقل: "يا رب"، يقول لك: "لا، هذا كلام". غيبي ربنا قاعد يؤكد علينا "ادعوني أستجب لكم"، قولوا هكذا من قلوبكم، لا تقولوا بألسنتكم. حسبنا الله ونعم الوكيل، يعني يكفيني ربي. وأنت تسير في الحياة معتمداً على الله، تعمل وكل شيء، وتُحضِّر الأسباب وكل شيء. وإذا كنا في حرب أو أي شيء، نُحضِّر الطائرات والدبابات وغيرها إلى آخره، ونحن نقول. يا ربِّ لأن "يا ربِّ" هي التي ستوقفك في
الميدان، "يا ربِّ" هي التي ستوقفك في الحرب. ليس أن تذهب وتقول "يا ربِّ" وكفى وأنت نائم، لا. إن الاعتماد على الأسباب شرك، وترك الأسباب جهل. إن ترك الأسباب جهل، لماذا؟ لأن النبي اتخذ الأسباب عندما خرج في أُحُد. خالَفَ بين درعين؛ لبس درعاً أمامه ودرعاً خلفه، والله يقول: "والله يعصمك من الناس"، أي لن يستطيع أحدٌ قتلك. نعم، ولكن هذا علّمنا أن نتخذ الأسباب، فلبس الخوذة فوق رأسه، وشاور، وأطاع، وعزم، فتوكل، وإلى آخره. فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء لما قالوا: "حسبنا الله
ونعم الوكيل". الوكيل: ماذا حدث؟ القصة أنه حدث أن جاء أناس من كل ناحية، وبعد ذلك حفروا الخندق. فلما حفروا الخندق والمشركون أمامهم، في الحقيقة أصبحت القضية أنهم كثيرون جداً ومعهم الكثير من السلاح. فوقفوا عند الخندق، ثم جاء نُعيم بن مسعود وقال لهم: "إن المشركين يفعلون أفعالاً، وسيأتون ويطبقون على المدينة". خافوا وارتعشوا! لو كانوا خافوا وارتعشوا، ماذا كانوا سيفعلون؟ كانوا سيستسلمون ويرفعون الرايات البيضاء قائلين: "أنقذونا! كفى! لا تضربونا ولا أي شيء، فأنتم ثلاثة
آلاف ونحن ثلاثمائة فقط". لكنهم لم يقولوا هكذا. الروح المعنوية التي يتحدث عنها، يقول لك إن هذه الروح المعنوية هي أهم شيء. قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، ماذا حدث في النتيجة النهائية؟ جاءت بعض الريح فضربت المشركين بعضهم ببعض، فظنوا أن المسلمين هجموا عليهم، فقاموا على بعضهم بالسيوف يقتلون بعضهم في الظلمة. أهذا من فعل المسلمين أم من فعل ربنا؟ أما المسلمون فماذا فعلوا؟ انقلبوا إلى أهليهم وإلى حياتهم بنعمة من الله، نعمة. الأمن والأمان وفضل من الله ولم يمسسهم أي سوء، وذلك
لأنهم اتبعوا رضوان الله، ولم يتبعوا غضبه، ولم يتبعوا نهيه، بل اتبعوا رضوان الله، والله ذو فضل عظيم، أيضاً ذو فضل يعني لن يجازيك فقط على قدر الشيء، بل سيأتيك من واسع فضله، سواء كان أو لم يكن. سيدنا أبو بكر كان تاجراً أميناً في قريش، أليس كذلك؟ ما رأيك؟ أصبح خليفة للمسلمين. خليفة للمسلمين يعني خليفة مؤقت لعصره؟ أبداً. ها نحن جالسون هنا بعد ألف وأربعمائة وثمانية وعشرين
سنة من الهجرة النبوية ونقول سيدنا أبو بكر، فقد تحول بنعمة وفضل إلى شيء عظيم. لا، لا، والله، ما كان هذا واحداً من قريش سيموت كالذين سيموتون ولا نعرف عنهم شيئاً، والذي بجانبه الذي اسمه عمر بن الخطاب، أجل هذا سيد، لماذا سيدنا؟ لماذا سيدنا؟ نحن نجلس نقول سيدنا عمر، سيدنا عمر، وتمسك الأطفال أبناءنا الذين سمّيناهم أبا بكر وعمر وغيرهما إلى آخره. يكون فعلاً والله ذو فضل عظيم، وانقلبوا فعلاً بهذه النعمة وهذا الفضل، فاللهم ألحقنا بهم على الإيمان وكمال الإسلام، وإلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.