سورة آل عمران | حـ 533 | 179 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

سورة آل عمران | حـ 533 | 179 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة - تفسير, سورة آل عمران
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة آل عمران يقول ربنا سبحانه وتعالى وهو يقرر حقيقة ربانية يعامل بها المؤمنين في الحياة الدنيا ويوضحها في القرآن الكريم لأنه كتاب يستهدي به المؤمنون هدى للمتقين أما الآخرون. وهو يدخل عليهم معتماً ويريد أن يتلاعب بالقرآن ويتلاعب معه، فتجده كله مغلق أمامه، فيقول لك: ما هذا الكلام؟ ويزداد بُعداً. يقول الله تعالى: "وما كان الله
ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه". ربنا سبحانه وتعالى لن يتركك وأنت تدّعي الإيمان حتى مع نفسك، بينك وبين نفسك وتقول: أنا مؤمن، لن يترك. الدنيا هكذا تمضي وتمضي وتمضي حتى يميز الخبيث من الطيب، فلا بد من أن يميز، أي يكتشف، أي امتحان. وفكرة الامتحان التي أخذناها وطبقناها في العلم من ذلك، أنك تأتيني طوال السنة من أولها إلى آخرها وتحضر الدرس، فهمت أم لم تفهم، حفظت أم لم
تحفظ، قمت بواجبك. وإن لم تقم ولم تحفظ ولم تفهم ولم تؤدِ واجبك، فما معنى حضورك هذا؟ إنه مجرد إثبات حالة. أنا لن أترك الأمور تسير هكذا، لا بد أن أمتحنك حتى أميز من قام بواجبه وحفظ وفهم وأصبح قادراً على تقديم العلم، فأمنحه الشهادة. أما الآخر فماذا سيحدث له؟ السقوط. انظر إلى كلمة السقوط هذه: سقط، سقط. أي أنه وقع في هاوية الفشل، أي أنه يستمر في العام التالي لأجل ماذا؟ لأجل أن يدفعه هذا الفشل للنجاح مرة أخرى. تلك فرصة، إذاً فهذا ما نسميه الامتحان أو الابتلاء. الله
لابد أن يبتلي من أجل أن تثبت أنك لست مجرد إثبات حال، لست فقط كما يقول إخواننا اللبنانيون "اختبرناك". أنت تتكلم فقط ولم نر منك عملاً. {لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}. انظر كيف يغضب الله تعالى كثيراً من هذا الأمر. {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب}. حسناً، {وما كان الله ليطلعكم على الغيب}. لا يأتي أحدٌ ليقول: أنت عالمٌ يا ربي، عالمٌ بالظاهر وعالمٌ بذات الصدور، عالمٌ بالحاضر وعالمٌ بالمستقبل. نعم، ولكن الميزة الخبيثة أمامك أنت، لأنك لم تنتفع
بها. أنا أعلم كل شيء، وهذا لمصلحتي أنا، لا يناله منا شيء، لا نفع ولا ضر، فنحن... هذا يفعل لنا نحن من رحمته لأنه رب العالمين المربي الخاص بنا الذي ربانا التربية وربه. ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب. والرد الآن على السؤال: أنت يا رب عالم بالحاضر والغائب وحاضر بالحاضر والمستقبل وعالم بالظاهر والباطن، فلماذا تمتحننا؟ قال: وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ. أَنْتَ مُصِيبٌ. تَقُولُ لَهُ: "مُصِيبٌ فِي أَيِّ شَيْءٍ؟ وَمَاذَا بِالضَّبْطِ؟" فَأَنَا آتِي،
هَا، لَوْ قَالَ لَكَ الأُسْتَاذُ: "أَنْتَ مُصِيبٌ" هَكَذَا، فَهُوَ مِنْ دُونِ اخْتِبَارٍ. وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ. يَجْتَبِي: أَيْ يَخْتَارُ، يَجْتَبِي: أَيْ يُعْلِي قَدْرَهُ. الاجْتِبَاءُ فِيهِ اخْتِيَارٌ وَاصْطِفَاءٌ وَعُلُوٌّ. يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ. من يشاء، وبعد ذلك فإن الرسل هم الذين يوحى إليهم. الأساتذة الذين معهم الامتحان، والامتحان عبارة عن "افعل" و"لا تفعل". برنامج، خذ البرنامج هذا، وانظر كيف يكون فيه اختبار هدفه تمييز الخبيث من الطيب بواسطة
الرسل الذين يختارهم الله سبحانه وتعالى من بين البشر. ليس كل من يكلمنا كان... يمكن أن يجعلنا نرى رؤيا في الليل لكل شخص، لا يوجد رسل ولا شيء، والله يكلمنا. انظر، رؤيا في الليل الله يقول لنا كذا وكذا. كان ممكناً لكنه لم يرد هكذا. كان ممكناً أن يكلمنا مباشرة كما يكلم الملائكة. لا، ما كنا عصينا أبداً. إذن، ما كان ليكون هناك غيب وهو يختبرنا فيه. هذه النقطة، ولذلك يقول: "ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء" حتى يوحي إليهم حتى يبلغوكم الامتحان. فآمنوا بالله ورسله. هذا هو أول شرط أن تسجل، إن لم تسجل فلن تُمتحن. لابد أن تسجل، لا تأتيني هكذا من الخارج وتقول لي: "أرنا هذا الامتحان" وأنت خارج الدرس
وخارج الجامعة. لابد... تسجل طيب، والتسجيل هنا ماذا؟ الإيمان بالله ورسله. آمنت بالله ورسله. وأن تؤمنوا تسجلوا، آمنتم. كفى الآن، فأنا مسجل وانتهى الأمر. لا، وتتقوا، فتكون التقوى ماذا؟ أنك تنفذ البرنامج: افعل ولا تفعل. افعل ماذا؟ صلِّ، صُم، زكِّ عندما يكون لديك مال كذا وبالشروط كذا، حُج عندما يكون كذا وكذا وكذا ولا. إياك أن تزني، إياك أن تقتل، إياك أن تسرق، إياك أن تكذب، إياك أن تشهد الزور، إياك أن تغتصب الأراضي، إياك أن تظلم الناس، إياك أن تؤذيهم، لا لا لا لا تفعل.
حسناً، وهل هذا كثير؟ أبداً، هذه أمور محدودة يمكن أننا ذكرناها كلها. انتبه، ثم بعد ذلك: لا تغتب، ولا تنم، ولا تعق والديك، والسحر حرام. إذاً هو فقط وانتهى الأمر، هؤلاء فقط. إذا كان معنا البرنامج، فآمنوا بالله ورسله، وإن تؤمنوا وتتقوا فإنكم تنجون من النار. ليس هذا فحسب، بل لكم أجر عظيم. ما هذا! ما هذه الحلاوة! هذا لن ينجحني فقط، بل سينجحني ويعطيني مكافأة. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله. الله وبركاته