سورة آل عمران | حـ 538 | 181 - 182 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

سورة آل عمران | حـ 538 | 181 - 182 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة - تفسير, سورة آل عمران
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة آل عمران يقول ربنا سبحانه وتعالى وهو يقرر صفة من صفات البشر وطائفة تدعي كذباً ما تدعي: "لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب". ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد. هنا يقول
ربنا "ذوقوا"، "ذوقوا" يعني إذا هؤلاء سيذوقون فقط، أي أن هناك فرقاً بين أن يتذوق المرء الطعام وبين أن يأكله. فالتذوق يُعرّف الإنسان بجنس الطعام فقط، أما أكل الطعام فيُحدث الشبع. الشرب يُحدث الري، لكن عندما تأخذ هكذا نقطة على لسانك فقط، تعرف إذا كانت هذه المادة تحتوي على ملح أو سكر أو ما هي الحكاية بالضبط، مُرّة أم حلوة. فالذوق شيء خفيف هكذا من بعيد. طيب، "ذوقوا" هذه، لماذا لم
يجعلهم "ولهم عذاب الحريق" مثلاً، فيكونون يُشوَون هكذا بالداخل عندما تأتي. تذوق قوم فتعرف طبيعة الشيء، فعندما يتلقون لسعة من عذاب الحريق سيدركون جرم ما ارتكبوه. من هم هؤلاء القوم؟ إنهم الذين يدّعون الإيمان بالله، لأنهم يقولون إن الله فقير ونحن أغنياء. كيف يكون مؤمناً بالله ويتم تعذيبه؟ كلمة "العذاب المهين"
تخبرك، انظر كيف أن الله من رحمته جعل. عذب هي نفسها حروف عذوبة لأنه يعذب أيضاً. هو رحيم يعذب، وعذاب الله الأليم والمهين والعظيم شيء يعني. وهنا "ذوقوا" تعني هكذا فقط، شيء هكذا فقط. يا ويل، يا سواد ليلي الذي يذوق هذا. ما هو الشعور النفسي لشخص ذاق عذاب الحريق؟ شعور بالخوف، شعور بالندم،
شعور باستعظام الأمر. هل نحن قلنا شيئاً؟ فيسأل، فردّ عليه قبل أن يُدخله في جهنم: "ذلك بما قدمت أيديكم". يأخذه على مرحلتين، مرحلة وإدراك العذاب. "هل أنا فعلت كل هذا يا ربي؟" قال له: "الذي أنت فعلته، ها قد قلت وقلت وقلت وقتلت الأنبياء، ادخل الآن، ادخل الآن." في الداخل قليلاً، ادخل الآن لتكمل وترى العذاب على حقيقته. فالتذوق يُحدث ندماً، ويُحدث حيرة، ويُحدث خوفاً، ويُحدث رعباً. نعم، هو
يستحق ذلك لأنه وصف الله الغني بأنه فقير، ووصف نفسه وهو وما يملك ملك الله بأنه غني. وبعد ذلك يأتي ويُظهر عظمته ويقول وأن الله ليس بظلام للعبيد، ظلام. ماذا يعني "شديد الظلم"؟ من أين جاءت؟ قال: هذا اسمه صيغة مبالغة من اسم الفاعل "ظالم". "ظالم" هذا اسم فاعل، وماذا عن "ظلاّم"؟ إنها على وزن "فعّال". أخبروني أيها الأشد. انظر
ماذا يقولون: إنها صيغة مبالغة، فالظلم القائم في كلمة "ظالم" بهذا القدر، والظلم القائم في كلمة "ظلاّم" بذلك القدر، فهو كبير، وهكذا. واحدٌ ينام عندما يأتيه النوم (نوّام) يصبح أبا النوم، فيكون طوال النهار نائماً. الأكل، ها هو يأكل مثل البشر، أكلاً أكلاً، فماذا يعني؟ جالسٌ يأكل طوال النهار وهكذا. فإذا كان اسم الفاعل فيه الصفة قيمة، لكن ماذا عن صيغة المبالغة؟ يعني مبالغ فيها. حسناً، عندما يأتي ليقول لك... وأن الله ليس بظلام للعبيد، فشخص
لا يعرف في اللغة العربية يقول لك: طيب، ربنا ليس ظلاماً لكنه ظالم، نفى عن نفسه الكثير لكنه لم ينفِ عن نفسه القليل. إذن كيف هنا ربنا يقول: "وأن الله ليس بظلام" ولم يقل: "وأن الله ليس بظالم للعبيد"، قال. لم تنتبه تماماً، فلو كان قال "وأن الله ليس بظالم للعبيد" لكان هذا ما يمكن أن تقول فيه أنه بالطبع ظالم. هذه مسألة صغيرة لا تتناسب مع الله. فكل صفة يجب أن تتناسب مع صاحبها، وهذا هو الله، فيجب أن يكون ظلاماً. فهو نعم
ليس بظالم، لكنه ظلام. فنفى... ما يتناسب معه جل جلاله، أنت تنتبه أن الله تعالى أمر اصطفى فيه، فماذا يكون مع الله؟ هذا هو منتهى الاصطفاء. حسناً، أنا ليس فيّ هذا الاصطفاء مطلقاً، والذي هو ماذا؟ منتهى هذه الصفة ليست فيّ أبداً. فنفى ما يتناسب معه، فنفى الصفة بالكلية. انظر كيف. نعم، ولا يظلم ربك أحداً، ولو ظلم فماذا سيكون؟ سيكون ظلماً لأنه شديد المحال. فنفى عن نفسه ما لا يتفق معه سبحانه وتعالى، فنفى الصفة بالكلية. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم
ورحمة الله وبركاته.