سورة آل عمران | حـ 539 | 183 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة آل عمران يقول ربنا سبحانه وتعالى: "الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار، قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم". فلمَ قتلتموهم إن كنتم صادقين؟ هنا يتكلم ربنا سبحانه وتعالى عن عقلية أخرى موجودة في البشر وإلى يومنا هذا. القرآن
هذا كتاب هداية إلى يوم الدين، لا تحصروه في العصر الذي نزل فيه. هذا كتاب ربنا جعله هدىً للمتقين، فيجب عليك وأنت تقرأه أن تنتبه لذلك. حسناً، هؤلاء الناس ذهبوا. لِمَ لَم تَذْهَب؟ هؤلاء موجودون وسيظلون موجودين إلى يوم الدين. كيف تفكّر عقولهم؟ كيف يعبدون الله؟ يقول لك: "أين هو؟" ماذا يعني "أين هو؟" وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد. يا أخي، يا أخي، انظر إلى كل ما حولك تراه يدعوك إلى الإيمان. قال: لا.
أصلاً أنا لا أؤمن إلا بما أرى، إلا ما كان تحت حواسي موجوداً. حسناً، وغير ذلك؟ قد وقد، يعني أنت لا ترى الجن فهم غير موجودين؟ حسناً، أنت لا ترى الكهرباء أيضاً. قال: لا، أنا لم أكن مؤمناً بها إلى أن جاء إديسون وصنع المصباح فعرفت. أن في كهرباء، وكذلك الموجات الخاصة بالرادار والموجات الخاصة بالراديو والموجات الخاصة بالتلفزيون والموجات الخاصة بالإنترنت. قال: عندما صنعنا الشاشة ورأينا التلفزيون بأعيننا صدّقنا، لكن بخلاف ذلك، مَن الذي أخبرك أن هناك أمواجاً وأن هناك
أصواتاً؟ الله! يعني أنت لا تؤمن إلا بما ترى أو بما يكون مرئياً. تحت إدراكك وشعورك، يجب عليك يا أخي أن تؤمن بالله، وما عليك إلا أن تجعله هو نفسه يقر بالإيمان بالله، لأنك ترى ما حولك من الخلق المتتالي ومن العدم. ففي مستنقعات الأمازون في أمريكا الجنوبية، رصدوا عشرات الآلاف من الكائنات وحيدة الخلية التي تنشأ عند الفجر وتذوب
عند المغرب. ولا أحد يعرف عنها ولا شيء يفعل هكذا وهكذا يفعل هكذا وهكذا، والله كل يوم هو في شأن، ما زال سبحانه وتعالى خالقًا خلقًا مستمرًا. ما هو الخلق أمامك ومستمر، فكيف تنكر وجوده سبحانه وتعالى؟ تأمل، أنت تقول آمنا بالكهرباء لما رأينا المصباح، حسنًا ما رأيك أننا آمنا... بالله، من كثرة الدعاء الذي دعوناه، ندعو يا أخي والله يستجيب. قوم مسرورين، نحن في غاية السرور هكذا. جرب أنت وادعُ
الله، ستجد أن الله يستجيب بأمور غريبة عجيبة ليس عليها الترتيب المعروف. فمن الذي يستجيب لهؤلاء الخلق جميعاً؟ إنه الله. إذاً هو الله، وإن كان لا تدركه الأبصار إلا... أنه له في كل شيء آية تدعو للإيمان بها مثل الذي تقوله في الحس أيضاً، لكنك لم يغب عنك؛ أنت لا تريد الله، أنت تكرهه. أتعلم لماذا؟ لأجل التكليف: افعل ولا تفعل. فهو يقول لك: لا تزنِ، لا تسرق، لا تقتل، لا تكذب، لا تغتب، لا تنم، لا تغتصب. الأرض التي لزميلك لا تشهد شهادة الزور، لا تَعُقّ والديك، وها قد ضقت
ذرعاً. إذاً، إذا كانت المسألة مسألة فِسْق، فلماذا لا يريد ذلك؟ هو لا يريد تنفيذ هذه الأوامر كلها، هذه خمس أو ست أو عشر أوامر فقط، وبقية حياتك تسير بشكلٍ طبيعي. الذين قالوا إن الله عَهِدَ إلينا ألّا... نؤمن للرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار، أتشعر أنك رسول؟ نعم، لماذا؟ لأنني آمركم بما أمر به المرسلون، ولأنني سرت بالصلاح فيكم، ولأنني لا أطلب منكم أجرًا، ولأنني أنهاكم عن المنكر، ولأنني... وهكذا. قالوا: لا، هذا الكلام لا ينفعنا. إذًا ماذا تريدون؟ ماذا تريدون؟ أمرًا
ماديًا؟ قال لهم: حسنًا، فما الآية؟ الآية الحسية جاءت لكم وما أنتم راضين، لماذا تؤمنون الآن بعد الآية الحسية؟ قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم ورأيتم أمامكم القربان وأكلت النار أمامكم. هكذا حدث، فماذا بعد؟ أيضاً لم تؤمنوا. قلت له: أنت قاتل، وها أنت ستقول لي الآن أنك قاتل، فلماذا قتلتموهم وذهبت؟ قمتُ وقتلتموهم ورأيتم إبراهيم وهو يدخل النار ويخرج من ناحيةٍ أخرى دون أن يصيبه شيء، جريتُ خلفه حتى هاجر من مكانه. إن كنتم صادقين فالحكاية ليست هكذا، بل الحكاية أنهم لا يُحبون الله، ولماذا لا يُحبون الله؟ لأنه لا يريد أن
يقول لهم افعل ولا تفعل، فالحكاية كلها حكاية. شهوات والآن إلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.