سورة البقرة | حـ 100 | آية 83 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله في سورة البقرة، إذ يقول ربنا سبحانه وتعالى موضحا الميثاق الذي أخذه على بني إسرائيل، وهو في الحقيقة يعلمنا إياه ويأمرنا به لأن الرسل جاءت بدين واحد، بدعوة واحدة، بخير واحد. بقضية واحدة تربي الإنسان في هذا الكون على عبادة الله وفعل الخيرات قال وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدوا إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا
الزكاة أقيموا الصلاة يعني اجعلوها مستقيمة بأن تنهاكم عن الفحشاء والمنكر وذلك بعد تمام شروطها وأركانها وخشوعها ولذة اتصالك بربنا سبحانه وتعالى إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له يعني ستكون فقط تسقط عنك الفريضة ولكن لا تتمتع أيها المسلم بفوائدها ولا يتمتع غيرك بها وتكون حينئذ عبادة قاصرة على
نفسك، إنما إذا وصلنا بها إلى أن منعتك من الفحشاء والمنكر من قول الزور وشهادة الزور والرشوة والفساد من السعي في الأرض فسادا والإفساد بين الناس بالغيبة والنميمة إلى آخره، يبقى إذا كانت كذلك لا تفيد كل هذا فهي قاصرة عليك أما إذا كانت كذلك وقد نهيتك عن الفحشاء والمنكر فقد أصبحت عبادة متعدية، تعني ماذا؟ تعني أن خيرها عائد على نفسك وعلى الآخرين وليس مقتصرا على نفسك فقط. المقتصرة تعني على نفسك فقط، أما المتعدية فتكون على الناس
أجمعين. فعندما تكون إنسانا حضاريا معمرا تعمر الأرض محترما فإن هذا يعود بالخير ما أنت لن تقف أمام أحد ومصلحته وتطلب منه رشوة، أليس كذلك؟ لأنك تصلي، فماذا يعني أن تصلي؟ يعني أن تذكر ربك، ولذلك قال ولذكر الله أكبر من الصلاة التي هي سبع عشرة ركعة، فذكر الله على حقيقته يجعلك تخشى الله وتعمل الخيرات، فلا تفسد مصنعك بسبب منافسة بينك لا أعمل دائما لمصلحة الأرض،
ما مصلحة الأرض؟ أن تعمر ولا يكون فيها فساد، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة. الأصل في الصلاة في ذاتها أنها عبادة قاصرة، وهذه العبادة القاصرة إذا ما أتت ثمارها تحولت إلى عبادة متعدية لنفع الغير، والأصل في إيتاء الزكاة أنها عبادة متعدية ولو أنها فقدت شروطها لأصبحت قاصرة على عكس الصلاة ولكن كلاهما يكون متعديا إذا استوفى أركانه لأنك تخرج المال للآخر، والآخر يأخذ هذا المال ويستفيد
منه فتنفع الناس، فماذا يحدث عندما يأخذ الناس الأموال وينفقونها في المجتمع؟ يحدث أن الناس تبيع البضائع التي لديها من الطعام والشراب والملابس وهكذا، وعندما يبيع البضاعة التي لديه، ماذا يحدث؟ تحدث دورة اقتصادية بأن البقال سيذهب إلى المصنع ويقول له: أحضر لنا بضاعة، فقد نفد ما لدينا. إذن الاستهلاك مهم. بعض الناس يظن أن الاستهلاك خطأ، لا، بل الاستهلاك مهم. فما الذي هو خطأ إذن؟ الإسراف. "يا أيها الذين آمنوا خذوا زينتكم حسنا
وهذا يستلزم ماذا؟ أن تلبس زينة وستجلب الزينة من أين؟ ستشتريها، يعني ماذا؟ ستنفق، ستخرج من جيبك، ستستهلك وكله من أين؟ الطعام ستشتري الطعام وتشربه، من أين ستجلب الشراب؟ ستشتري الشراب أم تسرف فيه؟ آه إذن العلة في عدم الإسراف وليس في عدم الاستهلاك، عدم الاستهلاك هذه مصيبة، يموت هذا أن الناس تهلك بضائعهم وتكسد، هذا أمر خطير جدا، ولذلك قالوا في الأمثال وفيها حكمة: اطمر بئرا واحفر بئرا ولا تعطل أجيرا، يعني تأتي
به وتقول له احفر بئرا هنا، يقول لك حاضر وهو ما دام لا يوجد عمل، يحفر البئر فتخرج المياه، امض نريد هذه المياه خذ عشرة جنيهات قل له فتعال إلي غدا سآتيك غدا قل له اطمر البئر هذا يعني الذي أخرجته اعمله مرة أخرى هذا عبث قال أبدا ليس عبثا اطمر بئرا احفر بئرا واطمر بئرا ولا تعطل أجيرا هذا نحن نعمل هذه الأشياء لكي لا يتعطل الأجير وهذا الأجير عندما يتعطل فماذا سيفعل إما أن يكافح وإما أن يسرق وإما أن يكون بلاء على البلد وإما أن يقعد هكذا ينتظر موته هلاكا فيموت السوق معه وآتوا
الزكاة، هذه للاستهلاك ولذلك فيها أحكام غريبة كثيرة من الناس لا يعرفونها لأنها نادرة يمكن ألا تحدث ولكن الحكمة التي وراءها، الإمام الشافعي يقول إن من يأخذها قاتلا عليها، ما هذا؟ نحن نعرف أن القتال هذا كان لمانعي الزكاة، في واحد لا يريد أن يخرج من جيبه الزكاة، لا هذا، لا هذا، الفقير ذهبت إليه قلت له خذ المال هذه زكاة وهو محتاج وهو مستحق، قال لا نريد، يعني الأصل أنا لا أريد أن آخذها ما كان يريد أن يأخذها فلماذا قال لا أيضا لا يصح أن آخذها لأنني أعني ابن ناس
نعم ولكنك تحتاجها قال لا لن آخذها قال له آه أخرجوا له السيف أخرجوا له ماذا السيف وهددوه وقالوا له ستأخذها وإلا سنقطع رقبتك ما هذا لماذا هكذا قال لأنه يمنع من دورانها يمنع من دورانها هذا يجب أن يأخذها ويذهب يعالج بها الأطفال، يعلم بها الأطفال، يأكل ويشرب، يسدد ديونه، يقلب المجتمع. اللورد كينز يقول هكذا لما حدثت أزمة التاسعة والعشرين، قام فقال هكذا في الاقتصاد الكلي، قال الدولة كي تخرج من الأزمة هذه تذهب تجعل الناس تبني جسرا وبعدئذ تهدمه الذي كلامنا احفر بئرا
واطمر بئرا ولا تعط الأجير، قال إن هذا سيجعل الأسمنت يعمل والحديد يعمل وعمال الجسر يعملون والهادمين الذين هدموا الجسر يعملون، فالاقتصاد الكلي للبلد يدور مرة أخرى. ثم توليتم فلم ترضوا، فتحوا خمسة معابد يعبدون فيها الأصنام، والحمد لله أن وقى أمة محمد صلى الله عليه وسلم من عبادة الأوثان إلا قليلا منكم وهؤلاء القليل لا ينفعون قال لا ما لا ينفعون القليل لا ينفع لا بد
من أمة من الناس وإلا فإن أثر هذه الأوامر لا يبقى وأنتم معرضون فما معنى كلمة ثم معناها أنهم بعد تدبر وعن عمد وقصد كما كررنا ذلك وأنتم أنهم لم يتركوا هذا فحسب بل فعلوا أضدادها وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته