سورة البقرة | حـ 113 | آية 101 : 102 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله سبحانه وتعالى وفي سورة البقرة وهو يقص علينا شأن بني إسرائيل، قال تعالى: ولما جاءهم رسول من عند الله الذي هو سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم مصدق لما معهم إذن لم يأت ليغير العقائد ويدخل الإنسان في حيرة وبحث جديد أبدا، جاء ليقر بأن هذا الكون مخلوق لخالق، جاء ليقر بأن الله بعدما خلق الخلق لم يتركهم عبثا، جاء ليقر بأن الله قد أنزل الكتب وأرسل الرسل وأمر الإنسان أن ينتهج نهجه
وأن يسير على طريقه سبحانه وتعالى الصراط المستقيم فأنزل افعل ولا تفعل الواجبات والمحرمات المندوبات والمكروهات افعل هذا ولا تفعل ذلك فلم يتركنا عبثا ولم يتركنا لعقولنا ولا لأنفسنا وهذا هو الفرق ما بين المتدينين وبين غير المتدينين عمارة الأرض كيف تتم قالوا من خلال أوامر الله ونواهيه الآخرون قالوا لا ليس لنا علاقة حتى لو بالله لا يؤمنون بالوحي من عقولنا نتدبر ونتفكر ونفعل ما نراه صالحا نحن الذين نراه صالحا، الآخر يقول لا ما يراه الله صالحا فهو صالح وما يراه الله فاسدا فهو فاسد إن
الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت، مما قضيت ويسلموا تسليما، لا تجد حرجا هكذا وأنت تتبعه لماذا؟ لأنك مؤمن بالوحي، ويوم القيامة سنعود فيه إلى ربنا للحساب وللعقاب وللثواب ولرفع النزاع فيما كنا فيه نختلف بما كان سبحانه وتعالى يعلمه منا ومن نياتنا إذا لم يأتهم الرسول بخلاف ليس لديهم أي شيء في الجملة أي الوحي يوم آخر غيب
تكليف ما هو الذي لديكم هكذا أي لم يأتك النبي فيخرجك من نمط تفكيرك العام فلما لم تصدق به وقد تكاثرت الآيات والمعجزات في تأييده وإثبات نبوته ولما جاءهم رسول من عند الله بأمر الله مصدق لما معهم مصدق عندما معهم وليس مخالفا له فليس هناك منازعة ولا بحث فكري ولا عقلي، لم ينبذ فريق فريقا آخر أيضا، انظر بغاية الدقة، لم ينبذوا، لم ينبذ فريق وفريق آخر، لا لم ننبذ فريقا، فريق لم يعلم وفريق علم فآمن وفريق آخر اختلط عليه الأمر وفريق
رابع تدبر، ففي كلمة نبذ ظلال البعد والإلقاء والإهمال، نبذ ولا تنابذوا بالألقاب، كلمة أول ما تسمعها تشعر فيها بالعداوة، واحد يعادي الآخر فيتنابذان بالألقاب أي يشتمه ويسخر منه، فنبذ، يعني ماذا؟ يعني خاصمه فأصبح خصمه، نبذ يعني فعل شيئا مثل
المخاصمة والمقاطعة هكذا، هو فريق من الذين أوتوا الكتاب، كتاب الله، الكتاب أين كتاب الله الخاص بهم أم كتاب الله الذي هو القرآن؟ كلاهما ينفع، كتاب الله الخاص بهم يعني ألم يرجعوا إلى كتابهم حتى يروا فيه علامة النبي صلى الله عليه وسلم وحتى يصدقوا ما معهم؟ نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله الذي كان حجة عليهم لما آتي أنا وأجد واحدا يخالف كتابه فيحق علي أن أقول له تعال أأمرك كتابك بهذا اتركه ليس
لك شأن بالكتاب الآخر ولا الثالث الذي أنت لست مؤمنا به كتابك أمرك بهذا أم لا فلا بد علينا من أن نسأل هذا السؤال إذا كان كتابك لم يأمرك بهذا فقد انحرفت عن دينك ليس عن ديني أنا، هذا عن دينك أنت. احكم بأنك كنت تفتح الكتاب كل حين وتقول لنا، فلماذا لا تفتح الكتاب وتقول لنا: افتح الكتاب وقل لنا إن سيدنا المسيح مثلا قال أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم. فعندما يخرج واحد من أتباع سيدنا المسيح ولا يحب أعداءه ولا لا يبارك لاعنيه بل يسخر منه ويستهزئ، والله ما أنت خالفت دينك هكذا، ليس ديني أنا،
ليس ديننا نحن، هذا دينك أنت، الذي خالفته، خالفت دينك لأنك خالفت السيد المسيح في قوله هكذا يقول لك أحب أعداءك، أنت ما أحببتهم، أنت بصقت عليهم، باركوا لاعنيكم، ما باركتموهم، ما أنزلت عليه اللعنات والويل والثبور وعظيم الأمور إذا فقد خالفت دينك ويبقى حجة عليه ولذلك هنا عندما يأتي ليقول ماذا أوتوا الكتاب كتاب الله فيكون كتاب الله هذا الذي هو ماذا الكتاب الخاص بهم هم نبذوه عندما تعلق الأمر بحقيقة النبي صلى الله عليه وسلم وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون هذا نحن نقول عليها في العامية يتظاهر بالغباء، يتظاهر بالغباء، يخدع
نفسه، يخدع نفسه هكذا كأنهم لا يعلمون وهو يعلم. لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون؟ فهو يعلم ولكنه ينزل نفسه منزلة الذي لا يعلم، وهذا ما هو؟ هذا هوى. أفرأيت الذي اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم، كيف رأيت الذي اتخذ إلهه هواه، أرأيت الذي اتخذ إلهه هواه، أفأنت تكون عليه وكيلا؟ فالذي يتخذ إلهه هواه يغشي عليه الحق، يلبس الحق بالباطل عنده، يجعله يتخلى عن مصادره
ويجعله صاحب هوى لا يحكم بالحق ولا يمسك بميزان العدل. إذن هنا ربنا يعلمنا من خلال نهيه عن أولئك بتلك الصفات بأن نتمسك بالكتاب وأن نتمسك بالإنصاف وأن لا يحملننا بغض قوم على ألا نعدل، لا يحملنكم بغض قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى، إذن يأمرنا هنا ألا نكون أمثالهم وأن لا نخالف كتابنا وأن نتمسك به فهو العروة الوثقى وأن نرجع إليه وأن ننصف في فهم الكتاب وفي فهم الحق وفي فهم الواقع وإلا نخرج عن هذا الحد وإلا نعي علينا كما نعي
عليهم إذا ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون فنحن مأمورون ألا نتغافل وألا نكتم الحق وأن نبدأ بأنفسنا فلننقضها إلى آخر هذه المعاني الجليلة التي إذا ما فهمناها من كتاب ربنا ولم نقصر هذه الآية على تاريخ قد مضى وعلى أقوام قد فعلوا، يتحول الكتاب إلى كتاب هداية كما أراده الله في إنزاله لنا وكنا منصفين لأنفسنا حيث إننا لا نعمل مثل ما كانوا يفعلون ونبدأ بأنفسنا. فلنغيرها حتى
يغير الله سبحانه وتعالى حالنا إلى أحسن حال، اللهم اشرح صدورنا للإسلام وأحينا مسلمين وأمتنا مسلمين غير خزايا ولا مفتونين، والحمد لله رب العالمين وإلى لقاء آخر أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.