سورة البقرة | حـ 116 | آية 103 : 104 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع سورة البقرة من كتاب الله سبحانه وتعالى في قصة بني إسرائيل، قال تعالى: "ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون". فأخبرهم بأن هناك طريقا آخر غير الطريق الذي ركبوه من أنهم قد اتبعوا ما تتلو الشياطين واتبعوا أهل الشهوات وأفشوا أسرار الملكين حيث كان العلم فيه منهما خاصا فجعلوه عاما من أجل الإضرار ومن أجل استعمال العلم في غير ما هو له لأن
العلم تنكشف به الحقائق ويمكن مع هذا الانكشاف أن نستعمله في الخير أو أن نستعمله في الشر فإذ هم قد ركبوا الشر واستعملوه فيه ولو أنهم آمنوا بدلا من العصيان وبدلا من الكفران واتقوا بدلا من العمل الفاسد لمثوبة من عند الله خير لو أنهم علقوا قلوبهم بالآخرة واستحضروها ومنعتهم هذه الآخرة في اعتقادهم بها من الشر لوجدوا ذلك مثوبة من عند الله لم يقل في الآخرة ولم يقل في الدنيا فالمثوبة هنا يمكن أن تكون في الدنيا والآخرة، ربنا
سبحانه وتعالى يبتلي العباد فيمكنهم في الأرض لكنه يرضى عن "أولئك الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور،" لكنه لا يرضى عن أولئك الذين لا يقيمون الصلاة ولا يؤتون الزكاة ويأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويفسدون في الأرض فأولئك لا مثوبة لهم لا في الدنيا ببقاء تمكينهم ولا في الآخرة بدخولهم جنة الله سبحانه وتعالى يريد الله سبحانه وتعالى أن نلتفت إلى عبرة هذه القصص وأن هذه القصص إنما ذكرها الله سبحانه وتعالى من أجلنا ومن أجل أن نهتدي
به لا لمجرد ذكر الأحداث ولا التاريخ وإن كان هو حق في نفسه وحدث هذا فعلا في التاريخ إنما يريد الله منا أن نهتدي بحركة التاريخ وأن نسير في الأرض وأن نقرأ فيه حتى لا نفعل مثل ما فعل الأقدمون من عصيان الله سبحانه وتعالى فيريد أن يقول لنا لا تتشبهوا بهم في معصيتهم ولا في أحوالهم ولا في عجيب حيرتهم لأنهم حيارى في "يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا كما يقولون وقولوا انظرنا واسمعوا
وللكافرين عذاب أليم"
هنا سبحانه وتعالى إلى أمر بالغ الخطورة وهو قضية الأسماء والمسميات فمثلا يكون هناك شيء الشرع إذا سمى شيئا معينا باسم معين فلا يجوز لنا أن نسميه باسم آخر والنبي صلى الله عليه وسلم يحذرنا ويقول سيأتي على أمتي زمان يستحلون فيه الخمر يسمونها بغير اسمها يستحلون فيه
الخمر خمر حرام باتفاق المسلمين طيب إذن كيف ما الحيلة التي سيفعلها هؤلاء الناس حينذاك قال بغير اسمها اسمها فإذا بنا نسميها شامبانيا ويظن بعض الجهلة أن الشامبانيا هذه ليست خمرا أو نسميها ويسكي أو نسميها بيرة أو نسميها وهكذا، والله هذه خمر أو نسميها نبيذا هذا خمر ما دام يشتمل على كحول يذهب بالعقل عن إدراكه للواقع فهو خمر وسمي خمرا لأنه قد خامر العقل والنبي صلى الله عليه وسلم
يقول: ما أسكر كثيره فقليله حرام، فالخمر كل ما يسكر ولو كان قليلا. إذن تسمية الشيء بغير اسمه مصيبة. سمينا العلم وأطلقناه على التجريبي فقط، التجريبي فقط. العلم ليس التجريبي، العلم أشمل من التجريبي، يشمل التجريبي ويشمل العقلي ويشمل النقلي، ولكن حصرنا كلمة في التجريبي فقط في فذهب أحدهم وقال ماذا قال؟ قال والله هذا ربنا، هذا يعني
ليست مسألة علمية إذا كان المقصود بالعلم هو ما كان في المختبر وفي التجريب وفي الحس، نعم الله لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، ولكن ما رأيك؟ الكلمة قبيحة، مسألة الألوهية مسألة غير علمية لأنه على الفور يبدأ الإنسان سيسمع فسيعتقد أنها مسألة جاهلية وأن الإيمان بالله تخلف، العلم عندنا غير ذلك، "إنما يخشى الله من عباده العلماء" "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" من سلك طريقا يلتمس فيه علما يسر الله له طريقا إلى الجنة، إذن العلم عندنا هذا شيء عظيم جدا وليس مقصورا التجريبي التجريب هذا هو من التلاعب بالأسماء إزاء المسميات، لا
بد لنا من أن نعلم أن اللغة والفكر وجهان لعملة واحدة، وأن الحفاظ على اللغة جزء من الحفاظ على الدين، تمكنا تمكننا من اللغة أداء وفهما فإننا تمكنا تمكننا من التفكير المستقيم. يقول لك هذا من كلمة؟ فربنا يقول نعم لا تستهينوا بالأسماء في البداية قال "وعلم آدم الأسماء كلها" الأسماء كلها "يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا" راعنا فراعنا في لغة العرب تعني كن راعيا لنا قال نعم ولكن إحتل المفهوم مفهومها احتلوه لأن راعنا عندهم كلمة سب فكانوا عندما يرون
المؤمنين يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم راعنا يا رسول الله، يضحكون ويبدؤون من هذا المدخل، مدخل تغيير المفاهيم إزاء المصطلحات، يلعبون. فربنا نبهنا قال لنا انتبهوا من هذه النقطة، لا تقولوا راعنا التي احتلوها هذه، قولوا انظرنا. ينبهنا على ماذا؟ على أن الأسماء مهمة، الأسماء مهمة وأن الأسماء يناط بها أحكام شرعية وإننا لا نريد التلبيس بالأسماء فإذا ما حدث تلبيس بالأسماء انسحبنا من التلبيس إلى الوضوح ما هذا هذه مباحث لغوية في منتهى الخطورة هذا عنوان لمنهج علمي
مستقر ينبغي أن يكون عنوانا للدراسات الجامعية وللدراسات العليا "يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم" وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.