سورة البقرة | حـ 117 | آية 105 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله سبحانه وتعالى نعيش هذه اللحظات في سورة البقرة، وربنا يحدثنا عن شأن بني إسرائيل ويهدينا في الوقت نفسه بهدايته سبحانه وتعالى. يقول ربنا "ما يود الذين كفروا" يعلمنا الإنصاف مرة تلو مرارا وتكرارا ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب فرق كبير لما يقول ما يود أهل الكتاب ولكن هنا قال ماذا الذين كفروا إذن قسمهم مباشرة هكذا
أم المشركين انظر هنا فرق بين أهل الكتاب فقال ماذا الذين كفروا من أهل الكتاب وكيف المشركين إذن قال ولا المشركين جميعهم، فإذا كان الأمر كذلك ونحن نصف الواقع يجب أن نصفه على ما هو عليه، المشركون ليس فيهم منصفاً ليس فيهم منصفٌ انتهى الأمر، ليس فيهم من هو منصف، نقول هكذا. أهل الكتاب فيهم منصفون وفيهم غير منصفين، نقول هكذا، لا يضرنا هذا. المهم أن تصف الحقائق، فهل هذا هو ما يبني المنهج العلمي، هذا منهج واقعي يقول لك اوصف الحالة على ما هي عليها.
ما يود الذين كفروا ولا يحب أهل الكتاب ولا المشركون أن ينزل عليكم من خير من ربكم، والخير النازل من عند الله يتمثل في ماذا؟ قال يتمثل في الوحي. إنهم يعاندون ربنا. قال إنها صفة من الصفات تتمثل في النصرة والتمكين وما هو خير من عند ربنا أيضا إذ قد تتمثل في شيء معنوي كإنزال الوحي كإرشادنا إلى مواطن استجابة الدعاء فقد عظم لنا الكعبة وسمح لنا بأن نقرأ كتابه وأن نستخرج منه ما نهتدي به إليه ودلنا على ذكره
سبحانه وإما أن يكون على نوع التفضيل فقد فضلنا وجعلنا خير أمة أخرجت للناس وجعلنا أمة وسطا وجعلنا شهداء على وإما أن يكون من النصرة والتمكين فقد امتد الإسلام من الأندلس إلى الصين شرقا وغربا وتمكن فيما طوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الأرض فقد طويت له الأرض. فقال يبلغ الإسلام من المشرق إلى المغرب فيما طوي له الأرض طويت له كذلك فظهرت له الأندلس والصين حدود الصين فبالفعل الإسلام انتشر من طنجة إلى جاكارتا ومن غانا إلى فرغانة لأنه مؤيد صلى الله عليه وسلم
قوم تجد بعضهم لا يحبونه كذلك من الناحية العلمية والمعنوية ولا من الناحية الحسية والكونية والله يختص برحمته من يشاء، الله هو الذي اعترض على من؟ من الذي نشر الإسلام ومن الذي جعله يدخل القلوب وما زال الناس يدخلون في دين الله أفواجا وإلى يومنا هذا من غير حول منا ولا قوة ولا دعوة ولا مثال صالح حتى، فنحن لسنا أمثلة صالحة للإسلام حتى ينبهر الناس بنا كما انبهروا عبر التاريخ بأجدادنا فدخلوا الإسلام أفواجا، هذا نحن حالتنا تحتاج
إلى مراجعة كثيرة. من الذي يدخل الإسلام في قلوب الناس؟ الله من غير حول منا ولا قوة ولا دعوة، والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم. ولذلك كثير من الدراسات العلمانية لا تستطيع تفسير الظاهرة، ظاهرة انتشار الإسلام. هؤلاء الناس متمسكون بالإسلام لماذا بالرغم من كل الذي فعلناه ونفعله؟ نعم، متمسكون بالإسلام نوَّر نور قلوبهم، لأنهم وجدوا الخلاص فيه لا في غيره، لأنهم عرفوا أن الباب الوحيد الذي بينهم وبين الله هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم، نوَّر نور الله بصائرهم وخصهم برحمته فأحبوا
النبي صلى الله عليه وسلم، وكلما رأوا الساخرين منه رأوا فيهم مساكين يحتاجون إلى الهداية فعطفوا عليهم وعرفوا أن كل ما يقولونه بشأن النبي من سخرية وقلة أدب فإنما هو في ميزانه يوم القيامة يرتقي به عند ربه حتى بعد انتقاله إلى الرفيق واطمئنت قلوبهم قلوبهم بذكر ألا إلا بذكر الله تطمئن القلوب وعرفوا أن أولئك من الظالمين وأن الله يمهل ولا يهمل وأننا ندعوهم إلى الهداية فإن اهتدوا فذلك مما اختص الله به عباده وإن لم يكونوا كذلك فما عليك إلا البلاغ إنك لا تهدي
من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء كلام واضح قلوب واضحة فهذا هو الحال، ماذا نفعل عندما نرى كثيرا من أهل الكتاب ونرى المشركين والملحدين ونرى المفسدين يحقدون ويحسدون ولا يحبون أن ينزل علينا أي خير من ربنا لا في كتابنا ولا في تاريخنا ولا في حاضرنا، ماذا نفعل هل نشهر
السيف ونقاتل الناس ويحدث لنا حُمَّى لقتال من حولنا ولا ربنا يقول لنا ماذا يقول لنا اصمت اصبر ابتسم ووسع صدرك عندما توسع صدرك هكذا فإنك ترى أن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق ذلك فيهم وقدر ذلك عليهم لحكمة إما لكي يهتدوا إلينا وإما لكي يموتوا على ذلك فيدخلهم الله سبحانه وتعالى النار وهو بلاء لنا حتى يعلم هل نتبعه
فنصبر ونهجرهم هجرا جميلا أم إننا تغلي قلوبنا ونخرج عن أمر الله فينا والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين هذه صفتنا صفة المؤمنين أنهم يكظمون الغيظ لا تغضب ولك الجنة لأنك عندما لا تغضب وترى الله في كل شيء حتى في خلقه هذه المعصية فيهم فتعرف وتعلم أن الله له حكمة في هذا وأنه ما عليك إلا البلاغ
وإلا الدعوة وإلا التبليغ عن الله سبحانه وتعالى وإلا الإرشاد والدلالة أما الذي يهدي فهو الله سبحانه وتعالى وعسى أن يبدل الله سبحانه وتعالى الحال إلى أحسن حال لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس وما غربت وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته