سورة البقرة | حـ 124 | آية 112 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله في سورة البقرة حيث يقول ربنا سبحانه وتعالى: "بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون". إذن أعلى درجات العلم هو أن تسلم وجهك لله وذلك بالإخلاص له وبالفكر المستنير فالفكر على ثلاثة أنحاء سطحي ترى به ظاهر الأشياء وعميق ترى به حقائق الأشياء بدقة ومستنير
أن تربط هذا بالمسبب الذي خلق سبحانه وتعالى وأن ترى في الكون دلائل عظمته وحكمته وبديع خلقه حينئذ تكون مستنيرا فإذا رأيت الأشياء منفصلة لا رابط بينها ولم يوصلك التأمل في الكون إلى الله فأنت ما زلت في الفكر العميق غير المستنير وأنت ما زلت في مرحلة من مراحل هذا الفكر قد تحصل بها المنافع وقد تحصل بها بعض المصالح إلا أنك ستظل محصورا في هذا الجانب دون الواقع الكامل والعلم الأتم الذي يوصل إلى
الله ولذلك فالعلم في لغة القرآن هو ما وصل إلى الله أما المعلومات التي لا توصل إلى الله لأنها لم تكن على حد الاستنارة ولم تدخل في حد الفكر المستنير فإنها تظل معلومات قد يحصل بها الإنسان مصلحة وقد يحصل بها الإنسان مفسدة ولكن لا يتم العلم تمامه وعلوه إلا بالاستنارة وأربطه برب العالمين إنما يخشى الله من عباده العلماء قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون فإن كان الفكر العميق أعمق وأعلى من الفكر السطحي فإن الفكر المستنير يعلوه وهو
يؤدي إلى معرفة الله سبحانه وتعالى إذ بعدما قرر الله لنا أنه يريد أن يخرج الناس من الظلمات إلى النور ومن عقلية الأساطير والخرافة إلى عقلية العلم فإنه جعل إسلام الوجه له سبحانه من تمام العلم وعلوه، بلى من أسلم وجهه لله إذا عرف الإنسان ربه وعرف بفكره المستنير أن هذه المعلومات التي حصل عليها من الكون ومن النظر ومن طريق العقل إنها توصل إلى الله سبحانه وتعالى عرف ذلك وتيقنه
فلا بد من العمل أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا، لا بد من العمل الصالح ولذلك قال من أسلم وجهه لله وأتم العلم بالاستنارة وجعل دلائل المعلومات موصلة إلى الله، لا بد عليه من أن يعمل. طيب افترض أنه انفرد بالإيمان ولم ينفرد بالعمل ولم يقم بالعمل فإنه يكون على الحد الإبليسي، ما هو إبليس فعل هكذا، عرف الله ثم لم يعمل، لا
قال وهو محسن، لا بد أن تحسن، والإحسان كلمة جامعة لكل بر، والبر كلمة جامعة لكل خير، والخير كلمة جامعة لعبادة الله وعمارة الكون وتزكية النفس، محسن من الإحسان ونرى هذا يتعلق بقلب النبي صلى الله عليه وسلم فيسمي أحفاده الحسن والحسين والمحسن، المحسن مات صغيرا لماذا؟ لأن أصله
من مادة حسنة وما هي الحسنة؟ هي في كل شيء أحسن، الحسن الخلق الحسن، النبي يقول هكذا صلى الله عليه وسلم، روى الحسن عن أبي الحسن عن جد الحسن صلى الله عليه وسلم أحسن الحسن الخلق الحسن فمحسن كلمة جامعة لكل أنواع البر والخير وفعل الخيرات القاصرة على نفسك والمتعدية لغيرك، ولذلك يقول لك لا ضرر ولا ضرار، لا تضر نفسك وتظلمها ولا تضر غيرك. الإيمان
وحده لا بد أن يتلوه عمل من أجل أن نصدق حقيقة. هذا الإيمان وأن أناسا قد غرهم بالله الغرور يقولون نحن نحسن الظن بالله ولو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل بلى من ومن هذه تفيد في اللغة العربية العموم فلا فرق فيها بين ذكر وأنثى ولا بين غني وفقير ولا بين قوي وضعيف ولا بين حاكم ومحكوم ولا بين سلف وانتهى الأمر ولا يوجد فرق بين عربي وأعجمي ولا بين أبيض وأسود من هنا عالمية الإسلام هذا هو النسق المفتوح الذي يعلمنا الله فيه أن هذه الدعوة
إنما هي من رب العالمين لعباده أجمعين إذن ليس هناك عرق ولا لغة ولا مكان ولا نسب ولا صفات قاصرة هذا خطاب للعالمين ما يسمى بأمة الدعوة كل العالم خطاب من رب العالمين لهم بلى من ما يأتي واحد فيقول له لا أنت أبيض نحن لا نأخذ إلا السود لا أنت أعجمي نحن لا نأخذ إلا العرب لا أنت أصلك ليس من النسل الشريف نحن لا نأخذ إلا النسل الشريف أبدا إنسان ليس له إلا عمله، ما جئت
لأقول له لا، هذا أبوك مخطئ فأنا لا آخذك، يا ما أذان الله يرحمه، لا، ما ينفع هذا، أنا على الفور هو بذاته كذلك، لا تزر وازرة وزر أخرى، انظر كيف متسق كله، أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا اختلافا كثيرا هذا كله هذا بناء للعقل بلى من أسلم من أي واحد يسلم وجهه لله وهو محسن فيؤمن ويفعل فله أجره عند ربه أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا وبعد ذلك يقول ماذا ولا خوف عليهم ليس عليه يقول ولا خوف عليهم
الأولى بالإفراد والثانية ذهب إلى الجمع عليه عليهم يعني على هذا الصنف على هؤلاء الجماعة وهذا يشير إلى ماذا إلى أن الإنسان يعمل في جماعة لا يعمل وحده هذا حتى لكي تعمل الخير للآخرين يجب أن يكون هناك آخرون وأنتم عندما ستعملون الخير ليس كل الناس ستتبعكم يجب أن يكون هناك أناس سيعارضونكم كل بين لنا أنك لست وحدك، فلو كنت وحدك لقال "بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليه ولا
هو يحزن"، لا لم يقل هكذا، بل قال "ولا خوف عليهم" على الصنف الذي أنت منه، فأشار إلى أن الدين جماعة وأشار إلى المخالف الذي سوف يخالفك وأشار إلى أن تصبر على ذلك فإن من صفات من تنتمي إليهم أنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون فاللهم اجعلنا منهم يا أرحم الراحمين وإلى لقاء آخر أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته