سورة البقرة | حـ 132 | آية 124 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مع كتاب الله في سورة البقرة حيث يقول ربنا سبحانه وتعالى وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ورأينا كيف أن الله وتعالى يوحي بإذنه ما يشاء وأنه لم يترك الناس عبثا وأنه أخرجنا من الظلمات إلى النور بمقررات واضحة في الأمر والنهي، فأمرنا بالصلاة وبالزكاة وبالحج إلى بيته وبالصيام
وبالمعروف وبالجهاد في سبيله وليس في سبيل أحد من الناس ولا طغيانا ولا عدوانا، أمرنا بعمارة الأرض وبعبادته وبتزكية النفس أمرنا سبحانه. وتعالى بذلك ونهانا عن كل فاحشة ومنكر وبغي وكذب وفساد في الأرض، هذا هو الوحي الذي لا نستطيع أن نتركه، هذا هو الوحي الذي يفرق بين المؤمن وغير المؤمن، هذا هو الوحي الذي يجعل الحكم لله، إن الحكم إلا لله، بخلاف من جعل الحكم للبشر سواء للطبقة أو للدكتاتور أو للجماعة أو لكذا وكذا، المهم أن الحكم هو للبشر.
هذا الوحي الذي يقول إنه ليس هناك بين صحيح المنقول وصريح المعقول أي تناقض، فكلاهما من عند الله، وبين من يقول إن العقل يحكم بما يشاء وأن الأخلاق نسبية تختلف باختلاف الزمان والمكان. لقد أنزل الله الوحي والوحي فيه أمر ونهي. وبذلك ففيه ابتلاء والابتلاء فيه شيء من الخوف، فإن نجحت بإتمامك لأمر الله في وحيه كإبراهيم جزاك الله عنا خيرا وعن هذا خيرا فأتمهن، قال إني جاعلك للناس إماما فأخذ جائزة وأخذنا من هذا
أن الإنسان لا يصير إماما إلا إذا كان ناجحا وأن من أسند الأمر لغير أهله أفسد في الأرض وإن من أراد أن يعين أحدهم في إمامة في أي مجال من مجالات الحياة لا بد عليه أن يعينه ناجحا لأن النجاح يسبب الفرحة ويسبب الانبساط ويسبب السرور والسعادة ولأن النجاح يولد النجاح أما إبراهيم وهو فرح لم ينس ذريته والإنسان يحب دائما أن يكون أبناؤه أحسن منه قال ومن ذريتي يعني بذلك اتبارك لنا في ذريتي فبين لنا
الله أنه لا بد ألا يسند الأمر إلى غير أهله وبين لنا الله أنه لا تزر وازرة وزر أخرى كما بين لنا الله أن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى فلا يصح أن يتمسك الإنسان بالنسبة لما كان إنما يفعل ويؤمن ويلتزم وينجح يكون إماما فيقول لا ينال عهدي الظالمين، أين الفاعل؟ أالعهد هو
الذي ينال الظالمين أم الظالمون هم الذين ينالون العهد؟ قال إن هناك قاعدة في اللغة العربية تقول: كل ما هو متلقيك فأنت متلقيه، كل ما هو متلقيك فأنت متلقيه ما هو في اتجاهين فكان العهد يسير وكان الظالم يسير أمامه فهل ينال العهد الظالم هل ينال الظالم العهد ما هي ولذلك ابن مسعود قرأ لا ينال عهدي الظالمون يعني جعلها فاعلا يعني لكن القراءة المتواترة الثابتة الصحيحة لا ينال عهدي الظالمين نجدها في المصحف هكذا ليس هناك أي مصحف فيه الظالمون جميع المصاحف
الظالمين ما هو ما لم يحرف ما تغير أبدا كما هو كذلك منذ أول نزوله على قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم وإلى يوم الناس هذا ما فيه شيء تغير أبدا هكذا هو الظالمون والظالمين آه حرف يعني ولا حرف ولا شكل ولا شيء بالتواتر قرأناه على مشايخنا كذلك هو إعجاز لأنه قد تولى حفظه أنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون فيقول لك هذا نحن قرأنا في الكتب هذا في كتب تقول وتعيد نعم ولكن هو الله ما أصل شيء يغيظ يا إخواننا أيضا شيء يغيظ كتاب يحفظ بهذا الحفظ الذي لم يحفظ مثله كتاب طبي يقول ماذا؟ المسكين الذي
يريد أن ينقضه لن يستطيع أن يقول شيئا فيقول لك هذا أنا قرأت في الطبري، هذا أنا قرأت في لا أعرف في القرطبي، هذا أنا قرأت في البيضاوي. نعم أنت قرأت ولكن ما هذا الذي بين أيدينا؟ ما هو إلا واحد من طنجة. من جاكرتا ومن غانا إلى فرغانة وعلى مر العصور، ألا نملك المتاحف ودور الكتب التي تحتوي على المصاحف؟ إنه مصحف واحد، فماذا تقول؟ في الأصل أنا أتصور، فلماذا لا يوجد عليه؟ فقال لك مثل الذي وقف أمام الهرم يا إخواننا وقال له: يا هذا أنت مزيف، قل إنك مزيف. أنت كاذب ولكن هذه هي الحكاية فقط ولكنه ليس كرتونا هذا الهرم عمره سبعة آلاف أو ثمانية آلاف سنة فهذا أقوى من الهرم لا ينال عهدي الظالمين
هكذا يكون الظالمين هذا مفعول به وكان العهد لا يصل إلى هؤلاء الظالمين والعهد هذا ما هو العهد الذي بين إبراهيم وبين ربه والذي جاء موسى فأكده وعيسى فأكده ومحمد فأكده عليهم الصلوات والسلام من رب العالمين العهد، ولو أن الناس قد تمسكوا بعهد إبراهيم لما أرسل الله رسلا، ولكنهم فرطوا وغيروا وبدلوا وحرفوا وطغوا وعبدوا الأوثان، ولذلك أرسل الله الرسل مبشرين ومنذرين حتى ختمهم بسيد الكائنات صلى الله عليه وآله. وسلم فرفع
ذكره وحفظ كتابه وأبرز قبره وانتشرت أمته بالرغم من أنها تحت وطأة السيف طوال حياتها، هاجمها اليهود والمشركون وهاجمها الفرس والروم وهاجمها التتار والصليبيون وهاجمها الاستعمار وهاجمتها قوات الاحتلال في كل مكان وفي كل زمان وهي تزداد من عند الله لا من عند أحد من البشر والحمد لله أولا وأخيرا فالحمد لله الذي جعلنا مسلمين والحمد لله رب العالمين نسجد له وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب
وحده وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والحمد لله رب العالمين