سورة البقرة | حـ 137 | آية 129 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مع كتاب الله في سورة البقرة نقرأ قوله تعالى وهو يحكي عن دعاء سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام وعلى نبينا سيد الخلق أجمعين ربنا منصوبة فهو يدعو أي يا ربنا وابعث فيهم رسولا منهم ومشترى فهو المبشر وهو المبشر مبشر لأنه قد بشرت به الأنبياء من قبل ومبشر لأنه
بشرنا بالخير والجنة فأين هذا المبشر لم يأت إلا في صورة النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم وأن أرسل إليكم من إخوتكم الذين هم بنو إسماعيل أليس كذلك ما ليس جاء من بني إسماعيل إلا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وابعث فيهم رسولا منهم ما لم يقل وابعث فيهم رسولا يتلو عليهم آياتك هذا جاء من خارج قال منهم يتلو عليهم آياتك فعل تلا علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم آيات ربنا وعلمها وكان ابن مسعود
يقول وهو يحدثنا عن خطبة الحاجة كان يعلمنا خطبة الحاجة كما يعلمنا القرآن قالوا كان يعلمهم القرآن كيف قال بأن يعيدها عليهم حتى يحفظوها فكما يعلمنا القرآن يعني كان يتلو عليهم آياته سبحانه وتعالى ويعلمهم الكتاب لم يتركهم هكذا كان يجلس فيعلمهم وكان هناك حلقة علم يلتفون فيها حول رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعلمون منه كان هناك أهل الصفة لو تتذكرون الحديث الذي جاء فيه أحدهم وقال يا رسول الله إن أخي يختلف إليك ليتعلم وأنا أقوم
به يعني يسعى للتجارة وكذلك إلى آخره حتى ينفق على أخيه قال لعل الله أن يرزقك بأخيك فجلس وعلمهم الكتاب والحكمة وهي السنة ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا، فالسنة هي التطبيق المعصوم للفهم الصحيح لكتاب الله سبحانه وتعالى. صحيح أنها كانت في زمن معين، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا من خلالها كيف نفكر، وكيف نتعامل مع الحياة، وكيف نطبق كتاب الله، وكيف نطبق شرع الله على أنفسنا وعلى غير لنا كيف نتعامل في
الأسرة، كيف نتعامل في الأمة، كيف نتعامل مع الأمم الأخرى ومع الجيران. علمنا المنهج الذي كتب فيه العلماء فقه السيرة أي فقه الحياة، وهي بخلاف السنة التي هي أحاديث وأقوال كالمصدر الثاني للتشريع الإسلامي القرآن والسنة، لكن السيرة فيها حياة ترى فيها رسول الله صلى عليه وسلم وهو يأتي ويذهب وهو يبتسم ويكتم غيظه وغضبه وهو يتعامل مع الرجال والنساء والكبار والصغار والمؤمنين والمشركين والغادرين والحاقدين كيف يفعل ذلك كله حياة
هذه هي الحكمة علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكيم يقول لعائشة يا عائشة إن الرفق ما دخل في شيء إلا زانه وما لم ينزع من شيء إلا شأنه أن يقول لها ويقول لنا ارفقوا بالقوارير يقول هكذا من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ومن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو مردود ومن سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من اتبعها إلى يوم الدين ومن سن سنة سيئة فعليه من اتبعها إلى يوم الدين، الراحمون
يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، وهكذا يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكمة في حياته وفي سنته ويزكيهم. نعم صحيح، تأمل هكذا الصحابة وانظر كيف كانوا وكيف أصبحوا، كانوا يعبدون الوثن وكانوا يشربون الدم وكانوا لا يتنزهون عن القاذورات وكانوا يقتلون الناس بغير حق وكانوا يضطهدون العبيد وكانوا يضطهدون النساء وكانوا يفعلون المنكرات ويشربون النجاسات والخمر كل ذلك كان فماذا
فعل فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاهم وطهرهم وأخرجهم خير جيل أخرج للبشر فنهاهم عن الفحشاء والمنكر والخنا والزنا وجعلهم من القوامين الصوامين الذين يعبدون الله بحق وخرجوا مجاهدين في سبيله ردا للعدوان ورفعا للطغيان فرفعوا الظلم عن العالمين وأخرجوهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة وفعلوا الخير وأفلحوا وحرروا الناس أجمعين من ربقة العبودية وبقيت آثارهم دالة عليهم إلى يومنا هذا فنرى في جميع أنحاء العالم
الإسلامي جميع أنواع العباد لجميع الأديان المجوس والهندوس والشنتو واليهود والنصارى في العالم الإسلامي لم يبيدوا شعوبا، لم يفتحوا محاكم تفتيش عن الأفكار والقلوب، لم يستعمروا البلاد، لم يحملوا خيراتها من أجل أن تصبح الحجاز جنة، وظلت الحجاز من أفقر بلاد الله حتى من الله عليها بالثروات، لم يفعلوا ذلك لم يكرهوا أحدا على الإسلام أو يبيدوا أقواما، بل تزوجوا منهم وأنجبوا وتكاثروا
فانتشر الإسلام بواسطة الأسرة، حقائق نعيشها لا نراها في كتب التاريخ، بل نرى المعابد والكنائس وجميع أنواع أهل الأرض في بلاد الإسلام ممن دخلها الصحابة الكرام باقية وإلى يومنا هذا، بلادنا تحكي تاريخنا أيها المسلم، لقد قدم والمسلمون عبر التاريخ لا يعتذرون عنه، لم يدمروا بل عمروا ولم يخربوا بل قربوا، فالحمد لله الذي جعلنا من هذه الأمة المصطفاة التي تظلم
ولا تظلم والتي تقهر ولا تقهر والتي ظلت أبدا تدافع عن نفسها وتنصر من قبل ربها، فالحمد لله رب العالمين وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام. عليكم السلام ورحمة الله