سورة البقرة | حـ 170 | آية 152 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

سورة البقرة | حـ 170 | آية 152 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة - تفسير, سورة البقرة
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة البقرة وفي قوله تعالى: "فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون"، يقول ربنا أذكركم، وهذا من جميل المنن ومن أعلى النعم أن الله سبحانه وتعالى يذكر اسمك في الملأ الأعلى وفي... الحديث القدسي: "ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي
بالنوافل حتى أحبه، فإن أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استغفرني لأغفر له". هكذا يمن الله علينا وهو... الذي خلقنا ووفقنا لذكره فإذا به يعطينا على هذا الذكر وهو الذي يعود علينا بتنوير القلوب وغفران الذنوب ويعطينا أجرًا حسنًا عليه. لو تخيل الإنسان أنه كلما ذكر ربه من قلبه ذُكِر في الملأ الأعلى، وما
أدراك ما الملأ الأعلى؟ إنها الحضرة القدسية، إنها الملائكة تحيط بالعرش. ربنا يذكر اسمك. في الملأ الأعلى في الحديث أن الله إذا أحب عبداً نادى في الملأ الأعلى ووجّه الكلام إلى جبريل: "يا جبريل إني أحب فلاناً فأحبوه"، فيأخذ جبريل الكلام وينزل به إلى من بعده ويقول: "إن ربكم يحب فلاناً فأحبوه"، وتتسلسل هذه المحبة من الملأ الأعلى إلى أهل الأرض
فيجد أحدكم نفسه. وقد أحبه الناس من غير حولٍ منه ولا قوة، واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه، واعلموا أن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، واعلموا أن الله سبحانه وتعالى عندما يذكرك في الملأ الأعلى فإنه يلقي عليك محبة منه، ولقد ألقى محبته على موسى وألقيت عليك محبة. ذهب موسى إلى فرعون الطاغية الباغية، ذهب إلى فرعون وكان يُقال عنه أنه كان يقتل بالنظرة، بالإيماء، يعني ليس أن
يقتله هو، لا، لا يعني نفسه، يشير إليه بعينه هكذا فقط، فيقتلونه من غير تحقيق ومن غير قضاء ومن غير أي شيء. طغيان فرعون هذا يريد أن يقتل من؟ يقتل الولد الذي قالوا. أخبره المنجّمون أنه سيكون سبباً لهلاكه، من هو؟ إنه سيدنا موسى. وعندما قتل سيدنا موسى وهرب وعمل، عرف فرعون أنه هو المقصود، فبدأ يقتل أبناء بني إسرائيل بكثرة ويذبحهم، "ويذبحون أبناءكم". هل الولد الذي يريدونه هو هذا؟ وعرفنا أنه هو هذا، فهل يصح أيضاً أنه عندما... يراه يقول له: "ألم نُربِّك فينا وليداً ولبثت فينا
من عمرك سنين، وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين". هل ينفع هذا الكلام؟ إنه حنون جداً! لماذا هكذا؟ لماذا لم يأخذوه ويقتلوه فوراً؟ بمجرد أن رآه وقبضوا عليه، وعلى الفور هكذا بعينه كما يفعل. لم أعرف واعلموا. إن الله يحول بين المرء وقلبه. أول ما رأى سيدنا موسى قال له: "يا بني، عيب استحِ، استحِ. أنت لست فاهماً من أنت يا فرعون. إنك فرعون، أنت ملك الأرض بمن عليها، بالأنهار وبكل شيء". وكانوا يقولون: "أنا ربكم الأعلى، أليس لي ملك مصر؟ هذه مصر كلها". ملكك بمن عليها، قم
وانفع الكلام هذا، تشاهد موسى الذي سيقتلك، قم وقل له: ألم نربك فينا وليداً يا ابني؟ أليس كذلك؟ ألم نربك فينا وليداً يا ابني؟ إنك في حضني، إنك كنت في حضني طوال عمرك لأن الله ألقى محبته كما وعده عليه، انظر. عندما جاء قال لك "ولا فلا تخشوهم واخشوني"، أنا لا تخف منهم، لا تخف من فرعون، خف مني فقط. هذا ربنا الذي يقول هكذا: "اذكركم". كلمة "اذكركم" هذه دافعة للذكر، يعني لو عرفت الفوائد التي تعود عليك من أن الله يذكرك ولا يجعلك بعيداً عن نظره
وذكره. ماذا؟ ربنا سبحانه وتعالى لا ينسى. ولا ينام، إنما ذكره أن يجعلك محلاً لنظره، "ولتصنع على عيني" "ولتصنع على عيني"، تصبح محلاً لنظره. واشكره، لماذا تقول دائماً "الحمد لله"؟ وأول آية في تلاوتك في الفاتحة بعد البسملة "الحمد لله رب العالمين". لماذا؟ ستدرس الحمد في القرآن الكريم، ادرس الحمد هكذا في القرآن الكريم، قف عند... كلمة "الحمد" وما الذي تعنيه وأي المواضع ذكرها ربنا فيها وكيف يكون ولماذا يكون وما الأثر لهذا الحمد. "الحمد لله
رب العالمين" تجد أمراً غريباً جداً أن القرآن كله أول شيء فيه أن تحمد ربنا، تحمد ربنا أنه خلقك، تحمد ربنا أنه وفقك، تحمد ربنا أنه هداك، تحمد ربنا. بصورةٍ دائمةٍ وإلى لقاءٍ آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.