سورة البقرة | حـ 178 | آية 158 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، مع كتاب الله وفي سورة البقرة نعيش هذه الدقائق مع قوله تعالى: "إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله" شاكرٌ عليمٌ هنا يؤكد ربنا سبحانه وتعالى أننا امتدادٌ لجماعة المرسلين خاصةً لسيدنا إبراهيم. سيدنا إبراهيم علمه
ربه أن الصفا والمروة من شعائر الله، وورث العرب ذلك من بعده وانحرفوا إلى الشرك، انحرفوا عن الحنيفية السمحة التي أتى بها إبراهيم. هو سماكم المسلمين من قبل إلى الشرك وعلى الرغم من ذلك فإنهم ما زالوا يقدسون ويعظمون البيت الحرام، وما زالوا يبتدؤونه بالطواف، وما زالوا يسعون بين الصفا والمروة. وظن المسلمون أو بعضهم أن دين الإسلام وقد جاء يمحو عوائد الجاهلية أنه يمحو كل شيء مما قبله،
وهذا مفهوم يضاد مفهوم الحضارة، وهذا مفهوم وقعت فيه الثورات، الثورة البلشفية التي قامت في روسيا جاءت أعلنت الثورة، فبدأت بالقضاء على كل شيء يتصل بالقيصر وبعائلة القيصر وبما جعله قيصرًا. هذه بربرية، أمر قائد الثورة لينين أن يُقتل كل من كان منتميًا إلى عائلة القيصر. وفجأة وجدوا
أن الكهرباء في موسكو قد انقطعت. موسكو بلد كبير وشوارعها واسعة والثورة قوية، فانقطع فسأل عن... ذلك ما هو خير؟ قالوا: المهندس الذي كان يمسك الكهرباء ويعرف سرها وأحوالها ومداخلها ومخارجها، قتلناه. لماذا؟ قال: لأنه كان من عائلة القيصة، وأنت قلت لنا اقتل كل من ينتمي إلى القيصة. يا الله، هذا خراب يا بداية! إننا لو قتلنا هؤلاء، قتلنا ذاكرة الأمة، قتلنا ذاكرة البلد،
فربنا يعلمنا ما... يقع فيه الخلق عندما يفكر من نفسه ويرى أن صفحة جديدة يجب أن تبدأ بموضوع معين وكذا إلى آخره، فتمزيق الصفحة التي قبلها مصيبة سوداء. ليس هكذا، إنَّ الصفا والمروة من شعائر الله. تُتخذ منها كيف تجعل القرآن كتاب هداية وحضارة، كيف تعالى، أين الحق وأين الباطل، نحن جئنا لننفي. الباطل ليس لننفي كل ما كان قبلنا سواء ما كان حقًا أو باطلًا، لا أبدًا، نحن جئنا نغير الباطل وننفيه ونعدمه مع الإبقاء على الحق، فالحق حق، فأقر النبي صلى الله عليه وسلم الأمر فأرجعه إلى
ما كان عليه في دين إبراهيم أن نذهب ونطوف بالبيت وعلمهم الصلاة خلف مقام. إبراهيم اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ركعتين وعلمهم الطواف بين الصفا والمروة، فرد بذلك على هذا التوجه البشري وصحح. إذاً، عندما نأتي بالتغيير، يحدث في مشارب بعض الناس وفي قلوبهم حب القضاء على كل ما هو ماضٍ وعلى كل ما هو قبل الآن، وهذا شعور خاطئ ويجب علينا أن نتخلص منه. منه وأن نعود إلى معيار الحق فنفرز الباطل من الحق ونستمر على الحق وننفي ونعدم الباطل. إذاً
هذه الآية هي عنوان كبير لمن أراد التغيير، وشرط عظيم لمن أراد التغيير في الطريق الصحيح، بأننا نقر الحق حيثما كان، ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى. يعلمك الإنصاف، إذا أراد أحدٌ التغيير فلا بد له من الإنصاف. صفا المروة من شعائر الله، فمن حج البيت أو اعتمر عليه أن يستمر في هذا لأنها من دين إبراهيم ومن صحيح الدين، وليست مما قد طرأ عليه من شرك أو فساد أو انحراف، فلا
جناح عليه. فهم بعضهم من... الصحابة والتابعين أنه فلا جناح عليه معناها الأمر فيه تخيير فيجوز لمن حج أن يطوف ولا يسعى إذا أردت أن تسعى فاسع وإذا أردت أن لا تسعى فلا تسعى لا فلا جناح عليه ينفي هذا الشعور بالحرج من أننا نفعل شيئاً قد فعله آباؤنا المشركون فقال لا جناح عليك أن تقليد المشركين فيما حافظوا عليه من الحق يا إنصاف. أنا لا ألغي كل عمل لأنه قد فعله المشرك، لا، هذا عمل صحيح، ولذلك فلا بد علي أن آخذه، ولا حرج علي في
هذا في اتباع الحق.