سورة البقرة | حـ 194 | آية 173 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، مع كتاب الله وفي سورة البقرة ومع قوله تعالى وهو يعلمنا قاعدة جليلة في الحياة في الفقه في ترتيب الأولويات في مواجهة الأمور الطارئة "فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه هذه القاعدة تبين لنا أن الفعل قد يكون محرما في ذاته وفي نفسه ولكن الإنسان إذا فعله فإنه لا إثم عليه فبماذا نصف هذا الفعل حرم علينا أكل الميتة لكننا إذا
اضطررنا والاضطرار معناه أن يبلغ الإنسان حالة يخشى فيها هلاكه يخشى على نفسه الهلاك فالضرورة ما لم يتناولها الإنسان هلك أو قارب على الهلاك هذا هو تعريف الضرورة فأنا سأصل إلى هذه الحالة فيكون هناك ميزان أرتكب فيه أخف الضررين إذا امتنعت عن أكل هذا الحرام فإنني أموت إذا أكلت جزءا من هذا الحرام فإنني أعيش وأكون
قد أكلت حراما قتل النفس في كفة الميزان مع أكل شيء حرام في الكبائر الأخرى أي الكبيرتين أشد عند الله قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق والتي نظر النبي إلى الكعبة وقال ما أشد حرمتك عند الله ولكن المؤمن أشد عند الله حرمة منك قتل النفس التي جزاؤها الخلود في النار أم أكل قطعة من اللحم المحرم قال لا مضغ قطعة من هذا اللحم يعني ما يعني شيئا عارضا، أما قتل النفس فهذه مصيبة. قال تعالى: "فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه"، فماذا
نسمي هذا الفعل؟ أنسميه حراما؟ أنسميه حلالا؟ أنسميه حراما منزوع الإثم؟ حراما منزوع الإثم أم نسميه مباحا أم لا صفة له؟ ليس له صفة لأن الاضطرار يوقف الأحكام أقوال عند الأصوليين بعضهم قال نقول عليه حرام لكي نتذكر أننا تمتعنا به ولكن في وقت الضرورة وبعد ذلك سنتوقف ولذلك اختلف بعضهم في التسمية هذه التسمية ما لزومها لا تقول حلال لا تقول حرام هو سيأكل فحسب قال لا يأكل كم
انظر واحذر، أكلت كم؟ هل ترى أنني أمام المعزة وهي ميتة حرام كلها، اضطررت أن أنظفها وأشويها وأعمل كبابا وكفتة وآكل وأشبع، أم على قدر سد الرمق آكل منها قطعة فقط أشويها هكذا وقطعة فقط حتى لا أموت على القدر؟ فالذي قال حرام قولوا عليها حرام قال لك لا تأكل إلا بقدر سد الرمق فإن الضرورة تقدر بقدرها انظر إلى الكلام وعمل قاعدة الضرورة تقدر بقدرها وهذا مذهب الإمام الشافعي الذي
يقول لك سمها حراما فماذا بعد ذلك يا إمام قال لأنه عندما تأتي لتأكل منها لا تشويها وتعمل كبابا وكفتة وتتوسع في ذلك وتشبع هكذا هذا بالكاد تأخذ منه بقدر سد الرمق، قلنا له ما معنى الرمق؟ قال الروح، قلنا له سد الرمق، قال مثل قطعة الفلين الخاصة بالزجاجة تضعها هكذا لكي تسد الزجاجة، هذه القطعة ستضعها هكذا لكي لا تخرج روحك، ما معنى سد الرمق؟ السدادة الخاصة بالزجاجة أضعها. هكذا هو لأن الإجازة كي لا تسقط المياه الخاصة بها سد الرمق، والرمق هو الروح وسد الرمق يعني ستسد بقطعة لحم كي لا
تخرج روحك. طيب وماذا قال الإمام مالك قال لا في أي شيء هذا يا ربنا أباح أن تأكل فيبقى انتهى الأمر الضرورة فتحت لك، فتحت لك هذا فأصبح الكلام هكذا ألا يأتي أحد يتورع الورع الكاذب ويقول لا وحياة جدتي أموت ولا آكل هذا الأرز، لا هذا ليس تفكيرا مستقيما، تفكير أموت ولا آكل هذا الأرز لا يصلح، هنا يصلح في المعنويات لكن لا يصلح في الحسيات، قالوا كيف؟ قال جئنا بواحد وقلنا له إما أن تكفر سنقول لك
هل يجوز أن ينطق كلمة الكفر قلنا له نعم يجوز أن ينطقها كي يخلص نفسه من هذا الإكراه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان يا عمار فعادوا فعاد فلنفترض أنه صبر وقال لا لن أنطق بالكفر أبدا فمات قال مات شهيدا له أجر الشهيد لماذا قال لا هذا فهذا هنا يعلم الناس كيف الصبر على الحق، كيف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كيف أن يقف هذا ضد الطاغية الذي أراد أن يقتله، فيكون مثالا صالحا لمن بعده ومقويا لهم من الناس ما لا يكون فيه الترخص، لكن
لا تأكل قطعة لحم من الميتة ولا تقتل نفسك. كل هذا ورع كاذب وأصبح هناك الورع على نوعين، النوع الأول الورع الصادق والنوع الثاني الورع الكاذب. انظر كيف يفتح القرآن لنا كثيرا من مناهج الفكر المستقيم وكيف نعيش أعزة في حياتنا الدنيا، وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله