سورة البقرة | حـ 209 | آية 185 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

سورة البقرة | حـ 209 | آية 185 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة - تفسير, سورة البقرة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة البقرة يقول ربنا سبحانه وتعالى في شأن شهر رمضان "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" أي من حضر منكم الشهر فليصمه، والنبي صلى الله عليه وسلم فسر لنا ذلك الحضور. وكيف يكون فقال صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما، صوموا لرؤيته يعني لرؤية الهلال، قال صوموا لإبصاره أم قال صوموا لرؤيته؟ قال صوموا
لرؤيته، لم يقل لإبصاره، فبماذا تتم الرؤية؟ تتم بالإبصار، هذه النقطة الأولى، وتتم بالتلسكوب وليس بالعين المجردة، بالعين المسلحة إذن عين الإنسان قد تكون مجردة من الآلة فيرى الهلال وأحيانا تكون مسلحة بالآلة التي هي في المراصد التي هي التلسكوب والعدسة المكبرة فيرى الهلال بعينه أيضا وقد يكون ذلك عن طريق القمر الصناعي يرصد الهلال وينقله إلى الشاشة في التلفاز الذي لديك في الأسفل فتراه بعينك، نعم لكن تراه عن الشاشة
أيضا هذه رؤية وقد تكون بالحساب لأن القمر والشمس الشمس والقمر بحسبان فالقمر والشمس لا يتقدم أحدهما على الآخر ولا يتأخر بحسبان الشمس والقمر بحسبان إذن كلمة رأى تعني علم صوموا لرؤيته فالرؤية تشمل الإبصار والرؤية تشمل العين المسلحة والرؤية تشمل العين المدركة والرؤية تشمل الحساب يبقى إذن
هذه معجزة لأنه استعمل الفعل في اللغة العربية الذي يصلح لكل ذلك، ولذلك "رأى" تستعمل للعين المبصرة وللرأي فيقول "رأيت رأيي" وللمنام فتقول "رأيت رؤيا" وهكذا، فـ"رأى" كـ"علم" تتعدى إلى ثلاثة مفاعيل وليس هناك إلا "رأى" و"علم" من الأفعال التي تتعدى إلى ثلاثة مفاعيل في حين أن المفعول القاصر مخصوص هكذا وهو يتعدى إلى مفعول واحد وإلى مفعولين وإلى ثلاثة مفاعيل التي هي أفعال العلم والإدراك مثل رأى وعلم، فعندما يستعمل سيدنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم هذا الفعل ويأتي في القرآن الكريم فيعلمنا ربنا أن المسألة مسألة شهود وليست مسألة إبصار، فيجعل هذا مع ذلك الإسلام قابلا للتطبيق آخذا في كل عصر إلى يوم الدين أيضا معجزة، فلماذا لم يقل "من أبصر منكم الهلال فصوموا لرؤيته"؟ فكان بإمكانه ألا يقول هنا "من رأى" أيضا، فمن رأى منكم الشهر أو من رأى منكم الهلال، لا "فمن شهد منكم"، فلا يصح أن نقول شهد الهلال.
منكم الشهر يعني حاضر مع المسلمين الشهرة فراعى كل ما انقلب عليه المسلمون عبر التاريخ وراعى كل ما سينقلبون عليه عبر التاريخ المستقبلي مما لا نعرفه الآن أمعجزة هذه أم ليست معجزة هذا إعجاز القرآن أنه قد أنزل من لدن حكيم خبير سميع عليم رب العالمين ولذلك فهو صالح لكل زمان ولكل مكان ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر مبدأ قرآني
أن هذه الشريعة بنيت على اليسر واليسر قد يختلف الناس فيه فبعض الناس يرى الشيء سهلا وهو هو يراه آخرون صعبا ولو أنه اكتفى بهذا وقال يريد الله بكم اليسر لكان ذلك اليسر نسبيا يتقلب فيه الناس ويختلفون، ولكن قال "ولا يريد بكم العسر" ما رأيك هذه غير هذه "يريد الله بكم اليسر" طبعا الشريعة مبنية على رفع الحرج والشريعة مبنية على اليسر، لكن على فكرة "لا يريد
بكم العسر" أيضا يعني لا تخرج من اليسر إلى العسر وتظن أنك ما لا تعسر على نفسك وعلى غيرك، إنها مطلوبة لله، بل إن الله يريد اليسر ولا يريد منكم إلا اليسر ولا يريد بكم العسر، وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله