سورة البقرة | حـ 210 | آية 185 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

سورة البقرة | حـ 210 | آية 185 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة - تفسير, سورة البقرة
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة البقرة في قوله تعالى: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من". أيام أخرى، يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، فقرر مبدأً قرآنياً هاماً. هذا المبدأ المهم بُنيت عليه الشريعة كلها. "فإن مع العسر يسراً، إن مع العسر يسراً". يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر. ما خُيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما، والقاعدة المقررة
التي بُنيت عليها. مسائل فقهية لا تنحصر في باب ولا في كتاب. المشقة تجلب التيسير، وإذا تردد الأمر بين يسر وعسر قُدِّم اليسر. بُنيت الشريعة كلها على هذا الأساس، ومن أجل ذلك كان هناك البدل. ففي الكفارات إن لم نستطع أن نحرر رقبة لأننا فقدناها، والحمد لله رب العالمين أُلغي الرق، فعلينا أن... نُطعم المسكين، وإذا لم نستطع أن نُطعم المسكين لفقدان المساكين أو لعدم احتياجهم إلى الطعام، فإننا نكسوهم. هذا بدل
هذا، في بعضه يكون على التخيير وبعضه يكون على الترتيب. فإن فقدنا ذلك لجأنا إلى الصيام، وهذا مرتب، لا بد أن نبدأ بهذا مخيرين ثم ننتقل بهذا مرتبين، أي نقدم الفئة. الأولى على الفئة الثانية وفي الفئة الأولى نختار هذا أو هذا أو هذا مثلاً. إذاً هناك نظرية، هذه النظرية يعلّمنا إياها ربنا وهي أن مع العسر دائماً يوجد تيسير، وإذا ضاق بك الأمر من جهتين كالتكليف بالصوم والمرض، أو التكليف بالصوم والسفر، أو التكليف بالصوم والحرب، أو التكليف بالصوم وهكذا. إذا اشتد عليك الحال جاز لك الإفطار وتعود إما بالقضاء مرة
أخرى وإما بدفع الفدية وإما بسكوت ذلك كله إن لم تستطع. أيكون هذا دينًا إصرًا وأغلالًا أم رحمة وتيسيرًا؟ إنها رحمة وتيسير. فيكون إذًا من قواعد التشريع ومبادئ الحكم بين الناس ومبادئ السياسة والعلاقات الدولية والقانون الذي يسري. في الحياة أن التيسير هو الأصل وأن العسر إذا اشتد انفرج، واشتدي أزمة تنفرج. إذاً هذا هو معنى المبدأ في الطريق إلى الله. إن كان هناك طريق إلى الله يرسم لنا برنامجاً يومياً للعبادة وللذكر وللتلاوة وللدعاء وللخلوة
مع النفس وللتوبة وما إلى ذلك، وهناك طريق آخر ويأتي الناس يسألون. كيف نفرق بين الطريقين؟ كيف نقوِّم أحد الطريقين؟ المعيار الذي أقوِّم به الطريق؟ فقال العلماء: المعيار مكون من أمرين. الأمر الأول: قرب هذا الطريق أو بعده عن هيئة السنة النبوية المشرفة. تجد في طريق متمسكًا بمنهج السنة وسمتها وظاهرها وأوامرها ونواهيها ومنهج النبي صلى الله عليه وسلم في الحياة وآخر. يريد الغايات من غير هذه الأشكال، فلنأخذ
الجوهر، ولنأخذ الشكل والمضمون معاً فهو أفضل من المضمون وحده، فتكون مسألة القرب أو البعد. انظروا ماذا يقول: ليس المخالفة للسنة، بل القرب من السنة والبعد عنها غير اتباع السنة والمخالفة لها. المخالفة يرفضها، وهذا مرفوض والعياذ بالله، ويكون خارجاً عن حد القبول. لكن هذا لا. هذا ليس يرفضها، بل يتغيَّا أهدافها دون التزام بأشكالها، وهذا يتغيَّا أهدافه مع التزام أشكاله. قال فيكون هذا أولى. والأمر الثاني، الأمر الثاني: العسر واليسر، لأن النبي ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما. فلننظر هل هذا الطريق ميسَّر أم يكلفك ما لا تطيق ويقول لك. تذكر الله في اليوم عشرين ساعة، حسناً وماذا بعد؟
وتضع سبحة كبيرة في رقبتك لكي تذل وترهق نفسك، حسناً وماذا بعد؟ وتهين نفسك أمام الناس، حسناً ولكن الناس لا تطيق هذا، وإذا استطاع اثنان أو ثلاثة، فالباقي لا يستطيع، إذاً الدين الذي للناس جميعاً ولكل الخلق ليس هكذا. هناك يسرٌ يقول لك: استغفر ربنا مائة مرة، المائة مرة تعملها على السبحة هكذا فتستغرق حوالي ثلاث دقائق أو أقل من دقيقتين، وصلِّ على النبي مائة مرة فتجدها أيضًا تستغرق دقيقتين مثلها، وقل لا إله إلا الله مائة مرة، فهذه أيضًا ست دقائق وليست ست ساعات، سهلٌ ويسير، فما رأيك؟ ينور الله عليك. القلبُ مع القليل هذا هو، إذا كان التيسير معياراً للقبول والرد. نعم، وهكذا أبداً
دائماً مبدأ "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" حقيقةً ومبدأً ومنطلقاً. ليس في القانون فقط، وليس في التربية مع الأولاد فقط، بل حتى في الطريق إلى الله، وحتى في معاملة الأحداث الكونية التي حولنا. يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ، ما رأيُكَ أنها جاءتْ في سياقِ الصيامِ كونها مبدأً يجعلُكَ تفصلُها هكذا وتكتبُها في لوحةٍ وتكونُ أمامَكَ في كلِّ شيءٍ، تكونُ أمامَكَ في الصلاةِ، تكونُ أمامَكَ في الصيامِ، تكونُ أمامَكَ في العبادةِ، وأمامَكَ في المعاملاتِ، تكونُ أمامَكَ في الدينِ. وأمامك في الدنيا تكون أمامك في الاختيار وتكون أمامك في القرار وهكذا. هذا
هو معنى المبدأ. ما معنى المبدأ؟ يعني أنه يصلح في كل المجالات. "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة". ولتكملوا العدة يعني أكملوا الثلاثين يوماً أو التسعة والعشرين يوماً. أكملوهم، أي لا تملّوا من العبادة ولا تضجروا. من العبادة هذه التي هي أيضاً المبدأ نفسه "ولتكملوا العدة"، ما رأيك أنه مبدأ في التعليم؟ المرء عندما يأتي ليقرأ كتاباً لابد أن يكمله، والمرء عندما يدخل في الكلية لا يذهب ويدخل الكلية ثم يقرأ فيها سنتين وبعد ذلك يقول: لا، أنا أريد أن أحوّل، ويذهب ليأخذ من هنا سنتين ويخرج منهما ويريد... يتحول إلى الكلية الثالثة. الله الله الله، هذا اضطراب في الحياة. أكمل هذه الكلية وبعد ذلك تستطيع أن تدخل الكلية الثانية.
ولتكملوا العدة، اجعل أعمالك كاملة، لتكملوا العدة. هذا أمر غريب جداً، هي هنا في الثلاثين يوماً أو التسعة والعشرين يوماً، لكن ما رأيك أنها تصلح للحياة؟ انظر إلى القرآن، إنه كتاب هداية. وإلى لقاء آخر. نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته