سورة البقرة | حـ 213 | آية 186 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة البقرة نلتمس منها الهدى كما أراد الله، يقول ربنا سبحانه وتعالى بعدما قرر لنا شأن العبادة في رمضان وبعد أن بين لنا مبادئ مهمة من التيسير أصل الدين يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر وأن الاستنارة هي التي يرضى عنها الله في تفكير سطحي أو عميق لا يجوز للمؤمن أن يقف عند أحدهما بل لا بد له أن يتجاوز ذلك إلى ربط كله بالله ولتكبروا الله على ما هداكم لعلكم تشكرون
يقرر الله سبحانه وتعالى الأمر الذي من أجله قد خلق الخلق وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، لا تعتقد أن عمارة الأمر وهو أمر مأمور به في دين الله تكون هكذا من أي مدخل كان أبدا، بل لا بد أن تكون من جهة عبادة الله، وعبادة الله تقوم أساسا على الصلة بين العبد وخالقه فعلمنا الله سبحانه وتعالى تلك الصلة، ولذلك سمى هذه العبادة التي يتصل فيها أحدنا بربه في اليوم خمس مرات بالصلاة، لأنها صلة بين العبد وربه، ولأن الصلاة في اللغة هي العطف، ومن
انعطف في طريقه انثنى، ومن انثنى كان الأمر بين طرفين لا بين طرف واحد، فالله يشير بالكلمة إلى أن العبد عبد والرب رب وإن هناك فرقا بين المخلوق والخالق لأنه لما كانت الصلاة عطفا والعطف فيه انثناء والانثناء يقتضي الاثنينية والاثنينية تقتضي اثنين إلى واحد فكان هناك في هذا الكون خالق ومخلوق إذن إذا كان هناك الخالق والمخلوق وكان لا بد من الصلة فما تلك الصلة وما أساسها فالصلاة في اللغة الدعاء، فالدعاء يكون بين طرفين داع يدعو والله
يستجيب، ولا يكون الدعاء إلا لله، ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء هو العبادة، ولأن الله لا يكلم كل أحد، ولأن كل أحد يجوز أن يخاطب الله بما أراد، فالله واسع للجميع يسمع كل شيء جاءت هذه الآية لبيان هذه الحالة ولتفصيل ما عليه العبادة والدعاء هو أساس تلك العبادة الدعاء مخ العبادة قال وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا
بي لعلهم يرشدون وهنا يقول وإذا سألك عبادي عني فوصفنا بالصفة التي إذا ما امتثلنا واستجبنا له كنا مستحقين لها العبادة، متى تكون عابدا؟ عندما تكون داعيا، ومتى تكون داعيا؟ عندما تؤمن بقدرة الله وعندما تتوكل حق التوكل على الله، وعندما يتعلق قلبك بالله وبأنه هو الذي سيخلق الاستجابة في هذه الأرض، وحينئذ فأنت مؤمن وحينئذ فأنت عابد وحينئذ فأنت من عباد الله، وإذا
سألك عبادي عني في مثل هذه الأسئلة توجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه هو المبلغ عن ربه يسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير يسألونك ماذا ينفقون قل العفو كلما سأله الناس يسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير يستفتونك في فهنا يسأل وهنا يستفتي وهنا كذلك فيكون المبلغ هو الله، المبلغ عن الله هو
رسول الله صلى الله عليه وسلم "يسألونك قل"، "يسألونك قل"، "يستفتونك قل"، وهنا "وإذا سألك عبادي عني" كان ينبغي أن يقول ماذا؟ "قل فإني قريب"، فرفع الواسطة بين الحق والخلق، لماذا؟ قال لأنه هنا يسأل العبد فإذا سأل العبد ربه سأله بلا واسطة وهناك يمتثل العبد لربه عن طريق الباب الوحيد الذي ارتضاه الله وهو سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم يبقى إذن كلمة "قل" هذه وردت في القرآن خمسمائة واثني عشر مرة "قل" بفعل الأمر هكذا والأسئلة هذه
ثلاثة عشر سؤالا كلها فيها قل إلا هذه فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني، فماذا نفعل؟ لأن الدعاء إذا صدر من قلب مضطر وإذا صدر من قلب مخلص وإذا صدر من قلب خائف وخاضع لله فإن الله يستجيب للدعاء، ولذلك قال فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي، الاستجابة
هنا فليستجيبوا لي على نوعين، النوع الأول هو الإقرار بأنك تتخذ قرارا مع نفسك بأنك بعت نفسك لله إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة في قرار إن أنا سأستجيب لله الأمر الثاني الفعل ولكن الأمر الأول يتعلق بما في القلب وهو الإيمان والأمر الثاني يتعلق بالأبدان يبقى واحد يتعلق بالجنان والثاني يتعلق بالأبدان بهذا يعني هذا الإيمان الذي لا بد فيه
من تصديق القلب لعلهم يهتدون فتكون الاستجابة بالقلب وبالعمل معا ولذلك يكون الهداية وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته