سورة البقرة | حـ 218 | آية 188 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

قال الإمام عن الإسلام متبعا آيات ذكر وتبيان من السنن، قول الفقيه ونور الدين مرشد
بالحق ينطق صدقا غير مفتتن، الحق مذهبه والعقل ديدنه والعلم يقين في ظهر على زمان. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مع كتاب الله وفي سورة البقرة وبعد أن انتهى ربنا من بيان أحكام
الصيام نرى قوله (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون) وهنا كأنه يأمرنا بأن الصيام ليس فقط عن الأكل والشرب والشهوة وإنما هو أيضا عن كل ما حرم الله خاصة في معاملة الناس ولذلك حرم الربا وحرم الرشوة وحرم السرقة وحرم الاغتصاب وحرم كل ما يمكن أن يؤدي إلى أكل مال الناس بالباطل وهناك دائرتان
لا يفقهها كثير من الناس دائرة الأكل بالإثم وحينئذ فهناك ظلم وتظالم بين الخلق يظهر هذا في الربا ولذلك لما نهانا الله عنه قال لا تظلمون فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، فمن اقترض قرضا من أجل حاجته واستهلاكه فزاد عليه ذلك القرض فزاده فقرا فوق فقر، فإن هذا من الظلم والتظالم بين الخلق الذي لا يرضاه الله سبحانه وتعالى. دائرة الظلم تظهر عندما يسرق واحد من الناس أخاه فإنه يأخذ ما ليس له. ملكه وما ليس
له والتصرف في ملك الغير هو عين الربا هو عين الظلم ما الظلم التصرف في ملك الغير ولذلك لا يظلم ربك أحدا لأنه مهما تصرف ربنا فينا فنحن ملكه يتصرف فينا كيف يشاء فالظلم لا يتصور مع الله لأن الله هو مالك يوم الدين ومالك الدنيا وما فيها وملكها فالظلم لا يتصور مع الله بالتعريف فإن الظلم هو التصرف في ملك الغير ومن ارتشى كمن سرق كمن اغتصب كمن راب كلها في دائرة الظلم أما في دائرة الاستثمار والتجارة وتقليب الأموال
فإنه ليس هناك ظلم فالأجر الذي يأخذه العامل لقاء عمله مرة ولقاء كفاءته مرة ثانية وعلمه مرة ثالثة ما أنت عندما تستدعي نجارا، فهناك نجار يأخذ عشرة جنيهات ونجار يأخذ مائة جنيه ونجار يأخذ ألف جنيه، فما هذا الظلم؟ قال: لا، هذا يعمل في دق المسمار وهذا لديه شيء من الكفاءة والصنعة والملكة والآخر لا، هذا لديه شيء من الخبرة والوضع التصميم يصمم الشيء هكذا قبل أن تصنعه ويبتكر أشكالا جديدة ووظائف جديدة
وهكذا فيأخذ ألف جنيه والطبيب هناك طبيب يأخذ مائة وطبيب يأخذ ألفا وطبيب يأخذ مائة ألف لماذا يعني هذا ظلم قال لا هذا في دائرة أخرى غير دائرة الظلم هذه دائرة تشتمل على الاستثمار تشتمل على العمل تشتمل على العلم تشتمل على الكفاءة تشتمل على حياة الناس وحراكها تشتمل على شيء يعمر ولا يدمر تشتمل على شيء آخر ولذلك ربنا قال إلا أن تكون تجارة يعني الظلم والتظلم هذا دائرة والتجارة دائرة أخرى ولذلك الناس الذين يذهبون ليحملوا هذه الدائرة
على هذه أو تلك على هذه يكون في خلط وخطأ ويقع في هذا حتى بعض المشتغلين بالعلم أنه لا يميز بين الصورة التي فيها ظلم وتظالم وهي محرمة وبين الصورة التي فيها كفاءة وعلم واستثمار وحراك حياتي يعمر ولا يدمر فيجب على الفقيه أن يضع في ذهنه هذا وألا يذهب لينقل ما في الكتب ويأتي ليطبقه في الناس هكذا هو لا يجب أن يفهم ما يفعله وما الواقع الذي أمامه الذي يقول فيه ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ولا تأكلوا
أموالكم بينكم بالباطل فيكون هو هذا الأساس الظلم وإياك أن تفكر أن هذا يشمل الحراك الحياتي إلا أن تكون تجارة في شيء آخر هكذا إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم، هذا هنا في الرضا، هذا أنا الذي أذهب إلى الطبيب صاحب المائة ألف ولست راضيا أن أذهب إلى صاحب الألف، وأذهب إلى النجار صاحب الألف ولست راضيا أن أذهب إلى صاحب المائة، هذا أنا الذي فعلت ذلك، هذا أنا الذي أذهب لكي أطلب الاستثمار وليست المسألة مسألة شهوة ومسألة ظلم ومسألة حاجة وفاقة وظلم بين الناس ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا
من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون فيبقى هنا أكل مال الناس على صنفين مرة يكون فيه إثم ومرة يكون فيه صلاح متى يكون فيه إثم عندما يكون بالباطل عندما يكون بالظلم عندما يكون فيه ما لا يرضي الله، فمتى يكون بالصالح؟ عندما يكون بالمعروف. ولا تأكلوا أموال اليتامى إلا بالتي هي أحسن. الله، هل ستأكل مال اليتيم؟ نعم، ألست ستأكله؟ نعم، اليتيم الذي سيقيم في بيتكم ستطبخ له، ألست ستأكل من طعامه؟ هو دفع ثمن هذا الطعام وهذا غير معقول أن تعزله وتقول له كل وحدك هكذا فهو مثل القطة لأن أنا لا آكل مال اليتيم
ولا يجوز هذا بل ستأكل معه لتدخل السرور على قلبه طيب وبعد ذلك في البقاء وهذه والله أحسن أنت لم تأكل أمواله بمعنى أنك دمرتها، كتبت ممتلكاته باسم أولادك أنت وتركته هو فقيرا، ذهبت وأخذت منه الرصيد ودمرته تدميرا قبل أن يبلغ حتى عندما يبلغ لا يجد شيئا، هذا هو الظلم وقلة الأدب والديانة، فلنتنبه إذن إلى هذه المعاني الراقية السامية حيث يحدد لنا الله سبحانه وتعالى خطا فاصلا بين ما هو معروف وما هو حسن وما هو فيه عمارة للدنيا وبين ما هو فيه ظلم وفيه إثم وفيه باطل بين الناس، ما رأيكم في أن هذه الآية تصلح لأن تكون منهاجا للتفكير المستقيم
ومكونا من مكونات العقل المسلم ومدخلا معتبرا من مداخل فهم عصرنا الذي نعيش فيه؟ وعندما يتحول رسم دون معنى اتبعه الناس من غير تدبر ولا تأمل في حياة الناس فوقعنا فيما نحن واقعون فيه الآن فإنا لله وإنا إليه راجعون