سورة البقرة | حـ 219 | آية 189 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

يقول ربنا سبحانه وتعالى وهو يعلمنا التفكير المستقيم يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون كما قلنا إن التفكير منه تفكير سطحي وتفكير عميق وتفكير مستنير والتفكير السطحي ليس معيبا لكن من العيب عليك أن تقف عنده أن تقف عنده بل لتفكر فيه ثم لتتعمق فيه ثم لتربط هذا
العمق بقضية الكون من توحيد ومن خالقية ومخلوقية ومن تكليف ومن تشريف تربط الأمور بقضاياها يسألونك عن الأهلة سؤال فيه معايبة مثل لغز مثل أحجية هكذا يقف بالتفكير عند السطحي لماذا تنتفخ الأهلة فتصير من محاق إلى هلال إلى ربع إلى بدر ثم تعود مرة أخرى يا محمد يمكن أن نتكلم في علم الفلك ويمكن أن نتكلم عن موضع القمر من الأرض وموقع الاثنين من الشمس ونتكلم
بصيغة فيها حساب وعلم فلك عن هذه الظاهرة ويكون هذا تفكيرا سطحيا معلومات ابتدائية متى تكون عميقة ومستنيرة عندما تجيب على لماذا خلق الله هذا الكون، كذلك فنرى أن الله قد جعل الليل والنهار وجعل الشمس والقمر وجعلهما بحسبان من أجل المواقيت التي عليها الحياة الاجتماعية وعلى اجتماع البشر، فقد عادت المسألة إلى اجتماع البشر فيقولون يسألونك عن الأهلة سؤالا
سطحيا، يسألونك سؤالا سطحيا. فتكون الإجابة إجابة مستنيرة، أي عندما يكون السؤال سطحيا فتتحول الإجابة إلى إجابة مستنيرة، وهذا ما يسمونه في البلاغة أسلوب الحكيم، أي يجعل الطفل يسأل وهو في ذهنه إجابة معينة يلغز عليه بها، فإذا به يجيبه عما يفتح له الأبواب، وهو أسلوب الحكيم، وقد عدوا هذه الآية من أسلوب الحكيم يسألونك عن الأهلة أي هي هلال ثم صارت بدرا ثم صارت هلالا مرة أخرى قل هي مواقيت للناس والحج فسوف نقول
لهم إن الوظيفة ليست أن الفلك وظيفة ما هذه تنفعكم في أن تقولوا سأسدد في أول الشهر والشهر نعرفه بالهلال أو تقولوا سأسدد في اليوم الثالث من الهلال أو أربعة في الشهر وخمسة في الشهر مواقيت للناس في معاملاتهم، سأعود سآتي سأتزوج إلى آخر معاملات الناس في البيع والشراء والزواج والطلاق والسفر والرحيل وكذلك، إذن هي ضابط وهذا حتى الآن نحن نفعله ونقول إننا الآن في شهر كذا وفي شهر مارس وفي شهر كذا إلى آخره، ولا بد للناس ضبط مواعيدها وإلا اختل النظام الآن الطيران كله بمواعيد والبنوك بمواعيد
والشيكات التي تصدر بمواعيد والعقود بمواعيد وتسليم العمل بمواعيد كل شيء مواقيته للناس فليعد إلى الحياة الاجتماعية ما علاقة الأمر هذا بالحياة الاجتماعية إن هذه هي الوظيفة التي تريد أن تجعلك تفكر أن الذي خلق الهلال هو الله وأن الذي خلق الاجتماع البشري هو الله وأن الذي وضع هذا النظام هو الله، لا أريدك فقط أن تنظر إلى جرم في السماء انعكست عليه الأضواء فحسب وانتهى الأمر، هذا سطحي هذا كلام سطحي، والحج دخلنا في العبادة وعبادة الحج يجب أن تحرم ليس قبل شوال فيكون أول ما يأتي في شوال يجوز لك أن تحرم للحج، وإذا اعتمرت يقول لك الله: حسنا أنت اعتمرت ثم رجعت
إلى منزل أهلك ورجعت حاجا، فهل أنت متمتع أم غير متمتع؟ وهكذا أحكام ستراها في قصة شوال هذه، شوال وذو القعدة وذو الحجة سيكون فيها كلام أحكام، والحج إذا كان فيه عبادة وليس المستقيم بأن تقتلوا بيوتا من ظهورها وأن تكتفوا بالتفكير السطحي وإنكم إذا أردتم شيئا سألتم عن شيء آخر، ولكن البر من اتقى من ربط كل المعلومات وربطها بالله وبالقضية الكبرى التي فيها الإنسان إنني مخلوق لخالق وإنني أعيش الآن أنفذ تكليفه وإنني سأعود غدا إليه سبحانه وأرجو العفو والمغفرة
وأطمع في جنته وثوابه، هذا كلام فكر مستقيم مريح، ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها، هذا فكر مستقيم، كن شفافا هكذا، عندما تأتي لتسأل اسأل مباشرة، واتقوا الله لعلكم تفلحون، أي أن هذا التفكير المستقيم إنما يؤدي إلى الفلاح، هذا منهج حياة، فانتبه أيها المسلم كيف تتحول قرآن ربك إلى منهج حياة وإلى لقاء آخر أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته