سورة البقرة | حـ 226 | آية 197 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة البقرة ينبهنا ربنا سبحانه وتعالى إلى مبدأ من المبادئ القرآنية العظيمة التي تكون العقل المسلم في كل حياته وفي كل مجالاته، يقول ربنا "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى" وهذه الكلمات وإن كانت قد جاءت في سياق الحج إلا أن لها دلالة مستقلة بذاتها يمكن أن تكون مبدأ لحياة الإنسان وتزودوا والتاء
للطلب يعني اطلبوا الزاد والزاد قد يكون زادا معرفيا وقد يكون زادا حسيا وقد يكون زادا ماديا وقد يكون زادا في الجاه والسلطان يختلف باختلاف المجالات لكن الله سبحانه وتعالى طلب منا أن نتزود بالأسباب حتى نحصل على نتائجها ومسبباتها وتزودوا، فإذا ما نزلنا في القتال نتزود بالسلاح وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم، وإذا ما نزلنا في ساحة العلم
فلا بد من طلب العلم ومن سلك طريقا يلتمس فيه يسر الله له طريقا إلى الجنة إنما يخشى الله من عباده العلماء قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون وإذا طلبنا الرزق فلا بد لنا من العمل الجاد بكل وسائله وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى إن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا فراحت ووجدت ما عادت في أوكارها إلى آخر هذا المعنى وتزودوا أخذ منها أهل السنة والجماعة أن
ترك الأسباب جهل وأن الاعتماد على الأسباب شرك ولكننا نفعل الأسباب ثم ندعو الله سبحانه وتعالى ويتعلق قلبنا بالله ولا نترك الأسباب أبدا لأن هذا جهل ومعصية وتزودوا ولكن الزاد المعرفي في المعرفة والزاد الحسي والزاد المادي والزاد العسكري إلى آخره من الأزواد لا بد أن تحاط بالتقوى ألا نستعمل معارفنا والمعرفة سلطة في غير ما هي له وألا نستعمل سلاحنا
والسلاح سلطة في غير ما هو له أن يكون في سبيل الله وإلا نستعمل جاهنا أو سلطاننا وهو قوة وزاد إلا فيما هو له هذا فكر مستنير ومبدأ عام نراه في الطب وفي الهندسة وفي الاقتصاد وفي السياسة وفي مجال الفنون والآداب والرياضة وتزودوا فقط على فكرة خير الزاد التقوى تزودوا نعم لكن لا تنسوا هذا في إطار التقوى وتزودوا فإن خير
الزاد التقوى، أهذه يصلح أن نكتبها على المكاتب، نجعلها لوحة ونعلقها، نذكر بها أنفسنا، نكثر من ذكرها باعتبارها شعارا ومبدأ عاما يحكم حياة الإنسان المسلم ويكون عقله، ثم بعد ذلك يقول ليس عليكم جناح الآية التي بعدها ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم لأنه بعد ما أمرنا بالتقوى وبعد ما أمرنا بالإخلاص وبعد ما أمرنا بإتمام الحج والعمرة له وحده وبعد ذلك قد يخطر في بال بعضهم الازدواجية أن الإخلاص
يتعارض مع الفضل والمنافع والمصالح الازدواجية التي يواجه فيها الإنسان جسده أمام روحه ودينه أمام دنياه ودنياه أمام آخرته هو يقول كل شيء ملك لله، الدنيا والآخرة والدين والدنيا والحياة والروح والجسد والفضل والإخلاص، كل شيء مع بعضه البعض لا يتناقض، كن عبدا لله، المهم ألا تصبح عبدا
للدنيا، المهم ألا تقدم شهواتها ومتاعها على أوامر الله، لكن لم يقل لك أحد اتركها، كن فيها وأنت فيها كن عبدا لله، هذا كلام واضح وجميل وسهل، ليس عليكم جناح، على فكرة يعني لا تظنوا أنه لما قلت لكم كل هذا قلته لكم على سبيل السخرية كما يحلو لكثير من البشر أن يفعلوا ذلك، ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم، فهذه تكتب بالإبر على أحداق البصر، يعني كلام كهذا لا يصلح لبشر أن يقوله والله ما هذا قول
للبشر أبدا، والله ما هذا قول البشر أبدا، ليس هذا قول البشر. إذن نقول هكذا يكتب بالإبر على أعماق البصر، فليس هذا من قول البشر. وإلى لقاء آخر نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله