سورة البقرة | حـ 239 | آية 215 | تفسير القرآن الكريم | أ د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة البقرة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "يسألونك ماذا ينفقون". لقد كانت الصحابة تسأل ولكن كان سؤالهم قليلًا، فلم يكونوا يختلفون على رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرًا. لا تسألوا عن أشياء إن تبدى لكم تسؤكم، لا تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبدى لكم، عفا الله عنها. يقول: قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين. يقول صلى الله عليه
وسلم: "اتركوني ما تركتكم، فإنما هلك الذين من قبلكم بكثرة ترددهم على أنبيائهم"، فأطاعوه، فبطلوا يسألون والسؤال. عندما توقف، قالوا كنا نحب أن يأتي الأعرابي ليسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم لم يسألوا، وفي نفس الوقت يستفيدون من إجابة الأعرابي الذي دخل وهو لا يعرف هذا الحكم فيسأل عنه. إذن من أدب العلم ألا تكثر في السؤال كما فصلنا ذلك تفصيلًا من قبل في... قصة البقرة. قال والله، طيب، إن الفقهاء يقولون شيئاً مهماً جداً: إنه يجب عليك أن
تسأل قبل أن تتزوج عن أحكام الزواج، وقبل أن تتاجر عن أحكام التجارة، وأول ما تبلغ عن أحكام العبادات كالصلاة والصيام، وقبل أن تحج تذهب وتسأل عن أحكام الحج. أحدهم يقول لي اسأل وأنت تقول لي لا. لا تسأل عن تفاصيل هذه المسألة، قالوا لا تسأل عن الأصول ولا عن الصور والمسائل. مثال الصلاة، كيف تؤدى يا أبنائي؟ أقول لك: اذهب وتوضأ بأن تغسل وجهك ويديك وتمسح رأسك وتغسل رجليك، فقط هذا. أما الأسئلة التالية فدعك منها: في الحمام أم في المطبخ؟ وأنا واقف أم...
وأنا جالس، هل يصح أن أملأ الصنبور أم يجب أن يصب لي أحدٌ هذه المياه التي كانت في الخزان وكانت ساخنة؟ وقد سمعت مرة أن المياه الساخنة مكروهة، فهل هي مكروهة أم ليست مكروهة؟ هل أرتب أم لا أرتب؟ هل أجلس هكذا أم أن يكفي أن تأتي المياه على وجهي؟ وهل تأتي على وجهي من اليمين أم من الشمال؟ على فكرة كل هذا له إجابة، ولكنك تتشدد على نفسك. تتشدد على نفسك! انظر الفرق بين سؤالك "ماذا نفعل؟" فقال لك: "توضأ" هكذا بهذه الكيفية. وانظر الفرق بين أنني أريد أن أعرف. وعلى فكرة، كل هذه الأسئلة التي ذكرناها
الآن، العجيبة الغريبة التي ضحكتم عليها. فيها مدارس وفيها كلام وفيها أدلة وفيها مناقشات علمية وله علم. إياك أن تُدخل نفسك في هذا. نواقض الوضوء، قام وقال لك أربعة أشياء، ستة أشياء، لا أعرف، سبعة أشياء حسب المذاهب. حسناً، اعرف نواقض الوضوء كما أقولها لك وكفى. طيب، أنا مرة أمسكت زجاجة كولونيا، أأكون متوضئاً أم لا؟ غير متوضئ، وهل في الثلاثة أو الأربعة التي أخبرك عنها ذُكرت الكولونيا؟ لم تُذكر، فلا تسأل، اسكت. كيف أصلي؟ قال له: تعال واستقبل القبلة. في حديث اسم صلاة،
وهو يقول: الله أكبر، اقرأ الفاتحة، اركع، اسجد، أدِّ صلاة المسلمين هذه، ولكن إذا قلت التسبيح، كم تسبيحة أقول؟ حسنًا، في ستر العورة، استرها كيف؟ استرها بماذا؟ الله يسترها معك. لا تفعل هكذا، صلِّ هكذا. هو صلِّ كما المسلمون يصلون. "ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس" وهكذا. إذًا نستطيع أن نقول ماذا؟ السؤال يتعلق بالأصول، والسؤال يتعلق بالصور والمسائل والفروع. أما الذي هو عن الأصول فافعله حتى تعرف دينك وعادة. نحن نربي
الأولاد على ذلك في البيت وانتهى الأمر، وتخرج وتصبح وكأنك تعرف كل شيء. دعك من ذلك، لا تدخل في الموضوع الثاني هذا، لئلا يجلب الوسواس، خاصة في الطهارات. والأمر الآخر هو أن التعامل مع الناس قد يجلب الوسواس أيضًا. فإذا نهينا عن هذا، يسألونك ماذا ينفقون، فهذا سؤال، فقم بالإجابة وقل. قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل، وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم. هذا لم يُجب. هذا السؤال يقول: "يسألونك ماذا ينفقون". قال: "يسألونك ماذا ينفقون"،
يسألونك أين يوجهون نفقتهم، لم يقل هذا. إنه يقول له: "يسألونك". ماذا ينفقون؟ قال: حتى لماذا ينفقون؟ لا. قال: لماذا؟ ولا. قال: لمن؟ ولا شيء. إنهم يقولون: يسألونك ماذا ينفقون؟ أي ماذا ننفق بالضبط؟ قال لهم: انظروا، لا يكون السؤال هكذا. أنفقوا أي شيء، أنفقوا أي شيء. قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ، لكن لمن تقدمونه؟ أعطوه لأبيكم وأمكم لكي يكون في ذلك برٌّ. والدين أعطه للأقربين حتى تكون هناك صلة رحم، أعطه لليتامى حتى يكون هناك تكافل اجتماعي، أعطه للمساكين وابن السبيل حتى يكون هناك تكاتف
اجتماعي وتعاون اجتماعي، وما تفعلوا عودوا إلى الأصل، وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم. وهذا يسمونه أسلوب الحكيم، يُسأل عن شيء فيعلمه، يُسأل كيف ويجيبه. على شيء آخر، إنه يعلمنا أن نسأل عن الأصول، ولندع مسألة الصور والمسائل التي نشغل بها خالق الله، وإن كانت لها إجابات، لكن من الخطأ منهجياً أن تخلط بين الاثنين. إنه يعلمنا الفكر المستقيم، ويعلمنا كيف نعيش في الحياة الدنيا فاهمين، فالحمد لله الذي جعلنا مسلمين من غير حول منا ولا قوة، واللهم... افتح علينا في كتابك ما تعلمنا به مرادك ونبلغه يا رب العالمين امتثالاً
لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلغوا عني ولو آية وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.