سورة البقرة | حـ 243 | آية 219 | تفسير القرآن الكريم أ د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة البقرة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "يسألونك عن الخمر والميسر". الميسر الذي هو القمار، وهذا سؤال من ربما ثلاثة عشر سؤالاً سأل فيها الصحابة سيدنا رسول الله، ولم يكونوا يحبون. الأسئلة الكثيرة كلما تسأل كلما يُشدد عليك، ولماذا؟ ألم يجعل الله الطريق واسعاً لتسير فيه؟ اسأل عن أصول الأشياء. كيف تتوضأ؟ دعني أقول لك: اغسل وجهك ويديك إلى المرفقين، وامسح رأسك، ثم اغسل رجليك إلى الكعبين، والكعبان هما
العظمان البارزان في نهاية الساق فقط. خلاص لا تفتش الآن، ستنتقل من هذا وتفتش. سندخل في تفاصيل موجودة. حسناً، وأين هذا الوجه إذاً؟ من أين يأتي الوجه؟ سؤال وجيه أيضاً وموجود له إجابة. أقول له: حسناً، الوجه من هنا إلى هنا ومن هنا إلى هنا. فيقول لي: هل هذا الجزء داخل فيه أم ليس داخلاً؟ أيضاً موجودة الإجابة. عليه، لكنك الآن تُدخل نفسك في متاهات وأسئلة سيترتب عليها أسئلة أخرى، وهذا ما نعيش فيه طوال النهار والليل، نسأل فيما بعد الأصل. هذا
الأصل خفيف جداً: اغسل وجهك، اغسل يديك إلى المرفقين. والمرفقين هم، يقول لي: "حسناً، يعني لو أخذت قليلاً فوق المرفقين، هل يصلح أيضاً؟" أقول... له نعم، ينفع يعني أفضل أم ليس أفضل؟ لا، أفضل والله. حسناً، ولو جعلتها إلى الأبد هكذا، فسيكون أفضل وأفضل، وسندخل في وسواس، وسنتحول من الأصل وندخل في الوسواس. اجعلها سهلة هكذا، اجعلها سهلة الله يكرمك. يقول له: أنت لا تريدني أن أتعلم يا سيدي، العلم هذه قضية. ثانيةً نذهب إلى الأزهر ونمسك الكتاب الذي هو المثل ونقول والحاشية التي على المثل من أين وأيها
وابتداء الوجه من أين وانتهاء، عرفنا كل شيء لكن هذا زيادة قليلاً. يقول لي يعني الأزهر مخطئ؟ لا، الأزهر ليس مخطئاً لأن هذا هو العلم. حسناً، إذاً أنا في ماذا؟ في العمل هذا. في الدين علم الدين، لكن ما هذا؟ هذا هو التدين. انظر إلى الفرق، الفرق بين العلم والفرق بين السلوك، الفرق بين العلم والعمل، يعني الفرق بين الدين والتدين. الدين هذا علم مثل أي علم، يجب أن أدرسه جيداً جداً وأبحث فيه وأعمل فيه كل شيء. "فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا". في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم، يعني إذاً هؤلاء طائفة مخصوصة، حتى أنهم أعطوهم إعفاءً من التجنيد،
أتفهم؟ أعطوهم إعفاءً من التجنيد لكي يجلسوا ويدرسوا، حتى عندما يرجع المجاهدون في سبيل الله من الجهاد يتعلّموا. إذاً المجاهدون هكذا كانوا يفعلون ماذا؟ كانوا يعملون عملاً، فشهوة المعرفة أحياناً. تسيطر على الإنسان ويجلس يسأل فيما لا يعنيه، يسألونك عن الخمر والميسر. جيداً، ويعلمنا الإجابة: الخمر هذه لا نقاش في أنها حرام، حتى المسلم الذي يشرب الخمر يشربها وهو يعلم أنها حرام، وبعد أن يشربها يأتي ليبكي، أو يأتي مثلاً يوم الجمعة يحضر الخطبة ويسمع الشيخ وهو يقول له إن هذا الخمر. حرامٌ أن يقول: خلاص تبنا إلى الله يوم
السبت، ثم يشربها ثانيةً. إنما هو يعرف أنها حرام. إذاً، هناك فرق بين الحكم الشرعي وبين تنفيذه. الحكم الشرعي: الخمر حرامٌ، حرامٌ، القمار حرامٌ، يعني حرامٌ، ليس فيها كلام. ماذا ينتج عن هذا؟ ينتج أن الإنسان إذا وقع... فيها وجب عليه التوبة، وجب عليه الرجوع. هل يكفر الإنسان بفعل المعصية؟ لا، لا يكفر بفعل المعصية. وكان نعيمان رضي الله تعالى عنه يقع كثيراً في شرب الخمر، رضي الله تعالى عنه، نعم لأنه كان يحب الله ورسوله، وقع ضعيفاً، فكان يأتي رسول
الله بالنار يقول: يا رسول الله! وكان نعيمان يحب المزاح كثيراً، وكان دائماً يعمل مقالب في الصحابة وفي سيدنا رسول الله. وكان سيدنا رسول الله يضحك، ويأتيه نعيمان قائلاً: "يا رسول الله، أنا ارتكبت هذه المعصية، فأقم عليّ الحد". وكان حد الخمر أن يُؤتى بجريدة النخل فيُضرب بها ضربتين أو ثلاثاً، هكذا، أربعين مرة. الجلدة هكذا جلدة ليست بالكرباج بل بنعله البلح، تؤلم أيضاً لكنها لا تؤثر في الجسم ولا تجرحه. تكررت هذه الحكاية في سيرة سيدنا عمر، فقد كان شديداً في دينه، قوياً، وكان طوله ثلاثة أمتار. قال
سيدنا عمر: "دعني أقتل هذا المنافق يا رسول الله"، فقال له: "إنه يحب الله ورسوله". انظر، انظر. الحب انظر الحب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يحب الله ورسوله. نعيمان هذا كان يشرب الخمر كثيراً وكان يتوب ويرجع مرة أخرى. إذاً نحن نتعامل مع الدين بطريقة غريبة بعض الشيء. أليس إذا شرب الخمر ولا يستطيع التحكم بنفسه يصبح كافراً؟ من الذي قال لك هذا؟ هو شخص سيدخل الجنة. من الذي قال لك أن شخصاً شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه يحب الله ورسوله؟ من الذي قال لك ذلك؟ "يسألونك عن الخمر والميسر"، انتبه! هناك فرق بين المذهب وما
يلزم المذهب. نعم، الخمر موجودة وموجودة في مجتمعنا، تجدها هنا وهناك. ثم يأتي شاب ويقول... لكن أنا أريد أن أذهب لأكسرها وأقول له: لا، هناك فرق بينها، فهذا حرام، وهناك فرق بين أن تفتات على الإيمان، وهذا يحتاج إلى تفصيل حتى يعود الناس مرة أخرى إلى عقولهم ويفهموا ديننا. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.