سورة البقرة | حـ 245 | آية 219 | تفسير القرآن الكريم | أ د علي جمعة

سورة البقرة | حـ 245 | آية 219 | تفسير القرآن الكريم | أ د علي جمعة - تفسير, سورة البقرة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، مع كتاب الله ومع سورة البقرة مع قوله تعالى يسألونك عن الخمر والميسر، وعرفنا أن هذا الخمر وهذا الميسر محرمان في شريعتنا، فهل هما محرمان في الشرائع السابقة؟ لدينا بعض الأصوليين في أصول الفقه يقولون أن الخمر محرمة في كل دين، ولماذا قالوا هذا؟ لأنها تقدح في أمر من الأمور الخمسة المتفق على أنها قد حافظت عليها الشرائع. ما هذه الخمسة؟ حفظ
النفس وحفظ العقل وحفظ الدين وحفظ كرامة الإنسان، كنا نسميها العرض، وحفظ الملك، كنا نسميه المال. خمسة حافظت عليها كل الشرائع لا توجد شريعة جاءت وقالت إن القتل حلال ولا توجد شريعة جاءت وقالت إن إذهاب العقل حلال، إذن كانت المخدرات والخمر وما شابه ذلك محرمة في جميع الشرائع، فعندما نأتي لنسأل أهل الشرائع القائمة الآن نجد اليهود يحرمون الخمر والمسلمون يحرمون الخمر، أما المسيحيون فيتناولون من الخمر ما لا يسكر، يعني يحرمون السكر، فيقول لك السكر حرام إنما
يأخذ شيئا هكذا وبسيطا هكذا كأنه يعني رشفة كما يقولوا هكذا ولكن بشرط ألا يسكر فإن سكر فقد خرج عن الشريعة وخرج عن الدين يعني لأن السكر حرام يسألونك عن الخمر والميسر كذلك الميسر محرم وهو القمار وأكل أموال أموال الناس بالباطل حرام في كل شريعة قائمة، الإجابة كانت ماذا؟ ربنا يعلمنا أيضا أن المعصية شيء والضعف البشري شيء وأن العقائد والأحكام شيء آخر وأنك أيها الذي قد غلبتك نفسك للوقوع في هذا أو ذاك لا تيأس من روح الله ولا تيأس من رحمة الله، بالهدوء
هكذا لا تيأس من روحك تعال ولكن بعضهم ييأس فيقول الخمر حلال والميسر حلال فيبقى قد ارتكب إثما فوق إثم وكبيرة فوق كبيرة تكاد تخرجه من الملة، طيب ولماذا قل أنا مخطئ؟ قل فيهما إثم كبير، هذا يقرر إذن شيئا وهو النسبية، شيء واقعي خلقه الله وعليها اختلفت الشرائع من زمن إلى زمن وعليها تختلف الفتوى في الزمان والمكان والأشخاص والأحوال أربع جهات نسميها جهات التغيير قلناها من قبل لماذا إن الأمور أحيانا تكون نسبية مصائب قوم عند قوم فوائد وفوائد
قوم عند قوم مصائب فيهما أخذ وعطاء قل فيهما إثم كبير سبعون ثمانون في المائة ومنافع للناس عشرون في المائة ما هو القمار يمكن تربح وتزيد ثروتك فتلك منفعة، فماذا عن الذين كسرت خاطرهم وأخذت أموالهم، وماذا عن الذي خرب بيته من القمار وأفلس وضيع أسرته ونفسه، قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس، فلا يأتيني أحد ويقول لي إن الزنا حلال لماذا، قال يا أخي أنا راض وهي راضية وما دامت راضية
وأنا راض، أنت ما شأنك يا قاضي إذا كنا نزني أم لا نزني، لا يصلح هذا الكلام، هذا الكلام كلام سخرية ولا يقوم به المجتمع البشري، لا تتم به عمارة الكون، وقضية المجتمع البشري وعمارة الكون هذه جزء لا يتجزأ من الدين ومن مفهوم المسلمين، هذا فساد هذا الأمر بموجبه تتفكك الأسرة وبموجبه يقل النسل، بعض الناس يقولون لك لا إن الزنا هذا سيكثر النسل، أبدا إن الزنا هذا يقلل النسل وإذا قل النسل أصبحت المجتمعات في ورطة، أين اليد العاملة؟ أين الجيل الذي سيحمل عن جيل آخر؟ أين الذي سيدافع عن البلاد عند تعرضها
للهلاك والإبادة؟ في غاية القسوة أن نتصور أن الأسرة قد ذهبت وأن الانتماء قد ذهب للأسرة وللعائلة وللوطن وللدين ولكل انتماء ويعيشون كالأنعام بل يكونون حينئذ أضل سبيلا قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس انظر إلى الإنصاف الخمر التي حرمتها عليكم فيها منافع لكن حرام أيضا فلا يأتيني أحد ويحتال علي في منافع الخمر ويقول لي هذه الخمر تصبح مباحة لما حرمنا التدخين لأضراره البليغة وجدنا شركة التبغ
ألفت ثلاثة مجلدات في منافع التدخين، افترض أن هذا التدخين فيه منافع لكن أضراره أكثر من منافعه فإن ربنا هنا علمني الميزان، هذا الميزان له كفتان أم كفة واحدة؟ له كفتان كفة فيها المعيار هو الميزان وكفة فيها ما أريد أن أقومه وبعد ذلك يظهر إذن هذه التي ترجح أو هذه التي ترجح كما يقولون أتنفع هذه أم هذه فربنا يعلمنا الميزان ففيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما فإذا علمنا الميزان الذي نقيس به الأمور ونبتعد عن السيئة الكبيرة
حتى لو اشتملت على منفعة قليلة، عقل مستقيم وفكر مستقيم، ارتكاب أخف الضررين واجب، دفع أشد المفسدتين واجب، هو جلبوها من هنا وإثمهما أكبر من نفعهما، ويسألونك ماذا ينفقون، في اللقاء الآخر إن شاء الله، وإليه نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.