سورة البقرة | حـ 256 | آية 226 - 227 تفسير القرآن الكريم | أ د علي جمعة

سورة البقرة | حـ 256 | آية 226 - 227 تفسير القرآن الكريم | أ د علي جمعة - تفسير, سورة البقرة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة البقرة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم"، يعني فإن رجعوا عما أقسموه في الإيلاء فإن الله غفور رحيم. ونبدأ صفحة جديدة، وقصة الصفحة الجديدة قصة تجعل الإنسان لا ييأس من أخطائه ولا من مشكلاته، وكل يوم يجدد إيمانه ويبدأ حياة جديدة. ولذلك يصبر على مشاغل الحياة ومشكلاتها، ويتسع صدره لهذه الحياة
اليومية. ﴿وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم﴾، يبقى إما أن ترجع الحياة الزوجية إلى سابق عهدها. عهدها من الوئام والود والحب والعشرة والاستمرار، وإما أن يتم الطلاق محافظةً على حقوق الزوجة. وإن عزموا الطلاق، حسناً، لنفترض أنه لم يعزم على الطلاق، فيجب عليه شرعاً أن يفيق وأن يرجع وأن يكفر عن يمينه الذي فعل. فإذا لم يفعل فهو آثم ويأخذ الإثم أبداً حتى يرجع، وهنا تمحق. البركة من حياته ويدخل
في مشكلات لا طائلة حولها كثير من المسلمين، وهذا الحكم حكم قطعي منصوص عليه في القرآن. وكثير من المسلمين لم يسمع عن الإيلاء. تلتقي رجلاً، تقابل رجلاً كبيراً وعنده سبعون سنة، وبعد ذلك تقول له "الإيلاء"، فيقول: "الإيلاء؟ ماذا تعني هذه الكلمة؟ ما هذا الإيلاء؟" فضربها. يضرب الفقهاء مثالاً على أنه قد يكون الشيء معلوماً من الدين بالضرورة لكن كل الناس لا يعرفونه لأنه أمر خفي كأحكام الإيلاء، فكثير من الناس حتى إذا قرأ القرآن "للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر" لا يعرف معنى "يؤلون" ولا يعرف قصة الإيلاء التي شرحناها
في السابق من أن رجلاً قد أقسم على زوجته ألا يقاربها فوق أربعة أشهر أو مطلقاً، هذه القصة الإيلاء وأحكام الإيلاء لا يعرفها هذا الإنسان، ولكنها معلومة من الدين بالضرورة لوجودها بصورة قطعية في القرآن الكريم في نص هاتين الآيتين: "للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم وإن" عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم. الطلاق فيه خراب للبيوت، ولذلك فهو كالعملية الجراحية نلجأ إليه إذا ما استدعى الأمر ذلك، فهو
رحمة ولكنه شيء شديد. ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبغض الحلال عند الله الطلاق". وحُكي عن إبليس أنه يجلس في آخر النهار فيأتيه أبناؤه. الذين قد بثهم في الأرض أحدهم يقول إنه قد وسوس للإنسان ليسرق أو وسوس للإنسان ليقتل أو وسوس للإنسان ليزني وأحدهم يقول إنه وسوس للإنسان فطلق زوجته فيقربه ويجلسه معه في عرشه، يعني كان الطلاق يفرح الشر ويحزن
الخير، ولذلك هذا الطلاق لا نلجأ إليه إلا لضرورة فعلية تعذرت. الحياة ولجأنا إليه حتى يغني الله كلاً من سعته، ثم أخذ في بيان أحكام الطلاق سبحانه وتعالى فقال: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء. والقرء في اللغة من الأضداد، يطلق ويراد منه الحيض، ويطلق ويراد منه الطهر. فالمرأة بعد وقوع الطلاق تتربص بنفسها من تاريخ الطلاق لرؤية ثلاثة قروء.
ثلاثة أطهار أم ثلاثة حيضات اختلاف بين الأئمة لأن القرء في اللغة قد يكون طهرًا وقد يطلق على الحيض، وبعضهم قال القرء يطلق على الفترة، والفترات قد تكون فترة حيض وقد تكون فترة طهر، وهنا يريد الله منا أن يبين أن النص الشرعي قطعي الثبوت قد تختلف الأفهام فيه وفي ذلك تنوع واختلاف سعة لا اختلاف تضاد، اختلاف يخفف عن الأمة. بعض الناس يريد أن يكون الدين في رأي واحد فقط،
حسناً، وماذا عندما تضيق الأمور بالناس؟ أين ظروف الناس وأين عصورهم؟ ولذلك من حكمة الله سبحانه وتعالى أن يأتي بمثل هذه النصوص التي تختلف فيها الأفهام، فيوسع على الناس شرعهم ويتيح. للمجتهدين أن يكونوا الوصلة بين ربهم وبين عباده إعلام الموقعين عن رب العالمين، فهناك موقع عن رب العالمين وهو المجتهد الذي يكون وصلة بين الحق وبين الخلق. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.