سورة البقرة | حـ 267 | آية 233 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة البقرة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف"، وعلى المولود له يعني على الرجل الذي هو أبو الطفل، فهو المولود له ولم يقولوا على أزواجهن حتى يثبت هذا التكليف وهذا الحق يثبت في ذمة الرجل سواء استمر مع تلك المرأة أو انفصل عنها، رزقهن
كلمة عامة ولكن فيها معنى السكن وفيها معنى الطعام والشراب والعلاج وفيها معنى السكينة وكسوتهن وأضاف إليها الكسوة بالمعروف، وكلمة بالمعروف استنبط منها علماء المسلمين قاعدة عامة أن العرف محكم والعادة محكمة قاعدة في جميع أبواب الفقه الإسلامي من أوله إلى آخره في العقود وفي المعاملات وفي شؤون الأسرة وفي
العلاقات الدولية وفي القضاء وفي الشهادات، العادة محكمة. خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين، العادة المحكمة يقول فيها ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وأرضاه ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن إن من مرونة التشريع الإسلامي أنه جعل العرف والأخذ به قاعدة من القواعد الكلية التي تكون العقل المسلم وجعل الواقع جزءا لا يتجزأ من الاجتهاد فأصبح الاجتهاد لأن الواقع هو جزء منه أصبح الاجتهاد مرنا
يتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال والأشخاص ليناسب الناس للوصول إلى مبادئ الدين ومقاصد الشريعة الإسلامية العليا هي حفظ النفس والعقل والدين وحفظ كرامة الإنسان وحفظ المال، فإذا حفظنا جسد الإنسان ثم عقله ثم دينه وعلاقته التي ينظر بها إلى العالم نظرة عمرانية وكرامة الإنسان، وحفظنا عليه كرامته وماله، فإننا نكون قد حققنا مراد الله الشارع
سبحانه وتعالى أي الذي شرع لنا الشرائع وأنزل الكتب في أرضه وهذه الآية هي جزء من العمران لأنها تعالج شأنا من شؤون الأسرة وشأنا من شؤون رعاية الإنسان منذ أن يكون طفلا وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ويؤكد لكي كلمة المعروف هذه يمكن أن تسير فلا تحدث أثرها يريده الله في نفوس المؤمنين فيؤكدها ويبين ما وراءها فيقول لا تكلف نفس إلا وسعها أيضا
أصبح مبدأ عاما أن الإنسان يكون فارسا نبيلا عندما يفعل ما يحسن ويكون فارسا نبيلا عندما يعطي لله سبحانه وتعالى غاية وسعه وغاية طاقته ولا يفعل فوق هذا فإنه لو فعل فوق هذا لا يتقن ولو أعطى ما أحسن إتقانه، ولو أعطى في حدود جهده ووسعه فإنه يستمر في العطاء، ولو زاد على ذلك أخطأ ولم يدم، وأحب الأعمال إلى الله أدومها
وإن قل، إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملا أن يتقنه، لا تكلف نفس إلا وسعها، كلام لو تحول إلى برنامج تربوي نتقدم كم من عامل يكلف نفسه وسعها غير راض أن يعمل ثماني وعشرين دقيقة من السبع أو الثماني ساعات المطلوبة منه في جميع المجالات على قدر ماله، هذا كلام مخالف لخلقة الله في كونه، خلقة الله التي أرادها أن تعمر الأرض وأن تعبده سبحانه وتعالى حق عبادته، لا للإنسان أن يبذل
غاية وسعه، فإذا لم يبذل غاية وسعه فهو مقصر أو قاصر خاطئ أو مخطئ. خاطئ يبقى في إثم، ومخطئ يبقى عن غير قصد. لا تكلف نفس إلا وسعها، كلام عظيم جدا. لا تكلف نفس إلا وسعها. إلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.