سورة البقرة | حـ 27 | آية 3 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله سبحانه وتعالى نعيش هذه اللحظات، نستهديه ونطلب منه الهداية في حياتنا، في أفهامنا، في عقولنا. نعيش كتاب الله لا نقف عند فهمه ولا عند التصديق به ولا عند العمل به، بل يتعدى ذلك إلى أن تكون حياتنا، أي أن يكون كتاب الله حياتنا. يقول سبحانه وتعالى في مطلع سورة البقرة في الآية الثالثة واصفا المتقين الذين كان هذا
الكتاب ولا يزال وسيظل هدى لهم: "الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون". تحدث في هذه الآية عن ثلاثة أمور: الأول الإيمان يؤمنون: الإيمان هو التصديق الجازم وليس المتردد، التصديق الجازم آمنت بالشيء آمن الرسول بما أنزل إليه يعني صدق الرسول تصديقا جازما وسلم له بما أنزل إليه، فالإيمان
التصديق وما أنت بمؤمن لنا يعني لا تصدقنا، إذا فحتى تدخل دائرة الإيمان فلا بد لك من الدخول في دائرة التصديق فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم تصدق بما جاء في القرآن وتصدق بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وما آتاكم الرسول فخذوه يعني أطيعوه إذا حتى تكون مؤمنا لا بد أن تكون مصدقا الذين يؤمنون ما هذا فعل
مضارع والفعل المضارع يفيد ماذا قال يفيد الحال ويفيد الاستقبال يبقى إذا الفعل المضارع لم ينته بعد إذا فأنت على حالة الإيمان دائما الذين يؤمنون انظر كيف لأن الفعل المضارع هذا مضارع أي شابه الاسم والاسم في صفة الدوام فكذلك الفعل المضارع لما شابه الاسم كانت له صفة التلبس بالحاضر والدلالة على الاستمرار في المستقبل إذن أنت تماما مؤمن ما أنت مؤمن اليوم وانتهينا من الإيمان والإيمان انتهى، لا
بل أنت آمنت وما زلت مؤمنا وستكون مؤمنا غدا إن شاء الله وهذا هو المطلوب في جنس الإيمان أن يكون مستمرا وليس ذلك الإيمان ما فيه مفاصلة في إيمان في عدم إيمان حتى لو آمنت ببعض الكتاب وكفرت ببعض ما لا تبقى مؤمنا أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فلا يبقى مؤمنا إذن الإيمان يستلزم التصديق ويكون ذلك التصديق جازما ويكون ذلك التصديق مستمرا ويكون ذلك التصديق مخلصا لله سبحانه وتعالى وهو مستقر في القلوب الذين يؤمنون بالغيب ما الغيب ما غاب
عنك وما الذي غاب عنك سنرى فنجده قد يكون هذا العالم المشاهد الذي سمي فيما بعد عندهم بعالم الملك وهو الذي يدركه الإنسان بحسه المعتاد وليس بالنظر فقط ولا بالسمع فقط ولا بالذوق فقط بل بحسه كله الحواس الخمس البصر والشم والتذوق والسمع واللمس بحسه المعتاد هذا هو العالم الذي ندركه ونستطيع أن نسميه بالواقع لأنه واقع عقل الإنسان وهذه مشاهدة نراها بالعين ونسمعها بالأذن
ونشمها بالأنف ونتذوقها باللسان ونلمسها باليد أو بالجلد وهكذا يدرك الإنسان ما حوله، وما حوله هذا حاضر وغائب، حاضر كما نحن جالسون في الجلسة هكذا وغائب ما يحدث في الشرق والغرب مما يمكن أن نطلع عليه حتى عن طريق التلفزيون. بالبث المباشر وهو يحدث وينقل إلا أننا من غير التلفزيون فهو غيب فهذه درجة من الغيب يستطيع الإنسان أن يطلع عليها إنما الذي لم يتمكن منها أنه يتعامل معها بحسه المعتاد حسه المعتاد ليس له حسه المعتاد محدود
تستطيع أن تبصر إلى مسافة معينة تستطيع أن تسمع ذبذبات معينة عشرين أقل منها ما لا تسمعها التي يقال عنها دبيب النملة دبيب النملة لا تسمعها النملة وهي تتحدث مع أختها سمعها سيدنا سليمان الخارقة للعادة معجزة ولكن السمع البشري هذا مركب ربنا خلقه بحيث أنه لا يسمع تحت ذبذبة معينة تقل عنها لا يسمع الطبلة لا تعمل لا تهتز وأكثر مثل الانفجارات الكونية أيضا لا يسمعها الإنسان لأكثر من حد معين ولا أقل من حد معين محدود وكذلك اللمس وكذلك الشم وكذلك ذلك محدود لأنك محدود فأنت لا
تعرف ما الذي يحدث في الكعبة الآن مثلا لا تعرف يمكن أن نطلع على هذا العالم المحيط بالآلة بالمجهر رأينا الخلية بالمجهر الذي يرى الشيء المجهري الذي هو دقيق صغير جدا، العين لا تستطيع أن تأتي به، حدودها لا تستطيع أن تأتي به، فبالمجهر رأيناه، والتلسكوب أتى لي بالقمر وصورته، وأتى لي بما فوق أيضا، هذا لا يزال في عالم الشهادة لأنني أستطيع أن أصل إليه عن طريق الآلة، عن طريق العين المسلحة بالآلة فترى وكذلك الأذن
عن طريق الراديو والتلفزيون تسمع البعيد لأنها تسلحت بهذه الآلة التي بنيت على الأمواج والأثير وما إلى ذلك حتى عرفوا كيف يلتقطون الصوت من بعيد وتسمعون ولكن بذاتك بحاستك المعتادة الخلقية لا تسمعينها لأنك محدود كل هذا دائرة غيب ولكن تستطيع أن تطلع عليها لأنها من عالم الملك وهناك مخلوقات أيضا إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم فالمخلوقات هذه مثل الجن والملائكة والروحانيات وغيرها من مخلوقات لا تعد ولا تحصى لا نراها، انظر إلى الفرق بالنسبة للكهرباء التي لا نراها أيضا
يقول لك بعض الإلكترونات تسير هكذا في الجو لكن لا نراها إنما نشعر لنا النور وتشغل لنا المكبر الصوتي وهكذا أحضرناها آه فيبقى هذا ليس غيبا بعد هذا إننا نتعامل معه وعرفنا كل القوانين التي خلقها الله عليها ليس مثل الجن والملائكة وهناك غيب آخر وهو غيب الغيب سبحانه وتعالى يقولون عليه ماذا غيب الغيب يعني لم يره لا نبي مرسل ولا ملك مقرب لم يحط به أحد من خلقه لم يرى هنا معناها ما لا يعني وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة على هذا المعنى
فالنبي صلى الله عليه وسلم قد رأى مثل