سورة البقرة | حـ 276 | آية 233 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

سورة البقرة | حـ 276 | آية 233 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة - تفسير, سورة البقرة
السلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، مع كتاب الله وفي سورة البقرة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "فإن أرادا فصالاً عن تراضٍ منهما وتشاورٍ فلا جناح عليهما". والفصال قد يكون بين الزوجين بالطلاق، فلا بد من أن يجلسا ليرعيا شؤون أطفالهما بعد ذلك الانفصال، وأما أن يكون هو الفصال الذي في مثل قوله تعالى: "وحمله وفصاله ثلاثون شهراً"، فصال الولد يعني فطامه. وإذا كان الأمر كذلك، فإن هذا الجزء من الآية يقرر كيف يتعاون الرجل
مع زوجته لرعاية الأسرة، وكيف يتخذان سوياً القرارات التي تعود على الولد، سواء كان ذكراً أو أنثى، واحداً أو كثيراً. الأسرة والأبناء، يعني كيف يتخذون القرارات، وأن ذلك، وما دام يرجعان إلى هذه الناحية فهما شريكان فيه، فلا جناح عليهما. وكأن الذي ساد في البشر أن يستقل الرجل بأمور من هذه القرارات التي يخرجها دون أن ينظر إلى المرأة بأي نظر، فجاء القرآن ليهذب من ذلك الطبع ويرجع الأمر إليهما.
يقول سبحانه وتعالى: "وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم"، والألف والسين والتاء تدخل للطلب، فإذا أردتم أن تطلبوا الرضاعة من غير الأم الوالدة فلا جناح عليكم، لأن ذلك ليس شائعاً بين الأمهات، بل بعض النساء تهتم بجمالها ويغلب عليها ذلك الاهتمام أكثر من حبها لإرضاع أبنائها، فترغب في أن تسترضع بعض الأمهات الأخريات. تمثل الرضاعة عندهن عذاب الله الأليم، وهذا
غير شائع لكنه موجود في خَلْق الله، وليس شذوذاً ولا انحرافاً لأنه موجود ولكن ليس شائعاً، يعني عشرة في المائة وليس تسعين في المائة، فهذا ليس بمستغرب لدرجة أن بعض هؤلاء العشرة في المائة تضغط على نفسها ظناً منها أنها شاذة وأنها كيف تكره. رضاعة الأولاد؟ طيب، فما بال كل أخواتها لا يكرهون ذلك وتبقى متألمة في نفسها؟ لكن ربنا هنا يكشف لنا أنه لا، "وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم"، يعني الشخص المختص بعلم النفس عندما يأتي ليتأمل، فليأخذ منها هذا الأمر "وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم"، يعني تطلبون الرضاعة
لأولادكم من امرأة أخرى. فلا جناح عليكم، هذا يعني إذا كان شعور المرأة بأنها ليست كسائر النساء وأنها مقصرة وأنها يجب أن تضغط على نفسها أمر وارد، وهنا يقول لها ماذا؟ لا جناح عليكِ، أي لا تخافي، فهذا ما خلقته فيكِ هكذا، إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف، فيكون إذا أجاز الأجر على... الإرضاع يعني نعطي الأجر الآتي للمرضعات، وتعلمون كيف أن حليمة السعدية أرضعت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتبركت به هي وقومها. إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف، فهنا نعود مرة أخرى إلى القاعدة الشهيرة التي
نقولها كل حين، نجدها قد ظهرت لنا هكذا وهي معنا في القرآن: العادة محكمة وبالمعروف. هذه تفعل ماذا؟ قال لك تفعل ما يُسمى بأجر المثل، وأجر المثل هذا نأخذه من أين؟ اذهب وانزل إلى السوق وانظر المُرضعة تأخذ كم؟ فنجد مُرضعة تأخذ على الرضاعة خمسة جنيهات، لكن توجد مُرضعة أخرى تأخذ خمسة عشر. الله! لماذا هذا؟ إنهم درجات من خمسة إلى خمسة عشر، ونرى إذاً هي المُرضعة. هذه التي تأخذ خمسة عشر، تأخذ خمسة عشر لماذا؟ قال إنها متدربة، نعم، إذاً لها أجر. هذه المتدربة قال إنها متعلمة، نعم، إذاً هذا التعليم له أجر. قال إنها مطلعة على هذا، متعلمة
كيف ترضع بالقراءة، عاملة بحثاً فيها، نعم، نعم، هي هذه، لأن هذا مؤسس على العلم، إذاً من... خمسة أو الخمسة عشر هذا يكون أجر المثل هكذا، وبعد ذلك ننظر إلى ما لدينا، أي نوع من الهواة الجدد؟ أيكون صاحب الخمسة أم الناس الباحثون العلماء ذوو الكفاءة المتدربون فيكون صاحب الخمسة عشر، أم أنه جمع بين هذا وذاك فيكون صاحب العشرة، وهكذا. إذا سلمتم ما أتيتم بالمعروف إذا كان هذا قد أجاز لنا. شيء آخر وهو أن ننشئ العقود دون تحديد الأجور، وهذا
يحدث كثيراً خاصة في المجتمعات المستقرة التي تعرف الأصول. تستدعي شخصاً ليصلح لك شيئاً فيصلحه ويُنجز كل شيء، ثم تعطيه ما اعتدت أن يُعطى في مثل هذه الحالة خمسة جنيهات، فيقول لك: "خمسة وعشرون"، وينظر إليك في السقف هكذا هو. يقولها أي أنه ينظر إلى السقف، مدركاً أنه يخالف العرف السائد المعروف، لكنه قال لنفسه: "دعنا نخلطها هكذا، ربما تقول له: يا أخي، إن ساعتي ليست بخمسة وعشرين، وأنت جلست عشر دقائق"، فيرد: "هل قلت لأبيك أن يفسدك ويجعلك أستاذاً في الجامعة؟" وهكذا. لماذا الخروج على الأصول والعرف؟ فربنا هنا يرجعنا إلى العرف ويريد
أن يكون العرف مستقراً وسليماً، لا أن يكون مضطرباً غير متزن. "جهجهوني" ماذا تعني؟ إنها ليست في اللغة العربية. ما معنى "جهجهوني"؟ أي كلام هكذا. واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير. فاللهم ارزقنا التقوى وارزقنا المعرفة، وإلى لقاء آخر نستودعكم الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته