سورة البقرة | حـ 291 | آية 245 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ. مَعَ كِتَابِ اللهِ وَفِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ يَقُولُ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾. حَرَّمَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْنَا الرِّبَا فِيمَا بَيْنَنَا. حتى لا نَظلِم ولا نُظلَم، وحتى يستقر القوت على الفقير فيملك إرادته ويعرف أن يقول لا للظلم والاستبداد، حرّم
الله الربا فيما بيننا حتى تستقر الأسعار وينتفي التظالم بين الناس. لكن أباح الهدية والهبة والعطية تعطيها لأخيك، فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أحسنكم أحسنكم قضاءً"، فإذا تداينت... اقترضتُ قرضاً حسناً بدون مقابل، ليس فيه ربا ولا فائدة ولا عائد، ثم أردت أن أرده وأعطيت الدائن شيئاً من الهدية من غير اتفاق
مسبق، وليس هناك عرف سائد بأننا كلما أرجعنا المال نرسل معه هدية، وأرسلت معه صفيحة عسل. يعني كأنك تقول له "أنا متشكر"، فلا يحدث شيء. أحسنكم أحسنكم أداءً. واقترض النبي صلى الله عليه وسلم إبلاً، فلما ردها، ردها اثنتين: واحدة في المقابل، وهي سنة، وواحدة أخرى زيادة. فهذه تكون هدية لأنها غير مشروطة، ولأنها تدل على الكرم والعطاء والحب. فكأنها تدل... على الحب، أما الربا فيدل على الظلم
ويدل على الشح ويدل على التخاصم والتنازع ويدل على صفات سيئة في النفس. فالله سبحانه وتعالى لأنه هو الواسع الكريم، ولأنه هو رب العالمين، ولأنه هو الرزاق، ولأنه ذو القوة المتين، له ملك السماوات والأرض وما بينهما، يستهم النفوس التي يعرف خبيئتها ويقول. من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً؟ ومتى يكون القرض منك حسناً لله؟ عندما لا يتعلق قلبك بجنة ولا بنار، إنما فعلته لله رب العالمين. ولذلك قال العابدون:
ما عبدناك طمعاً في جنتك ولا خوفاً من نارك، وإنما عبدناك لأنك حقيق للعبادة. أخذوها من هنا، من أين؟ من قوله "حسناً". من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً؟ متى يكون القرض حسناً؟ عندما تقرض ولا تريد من ورائه شيئاً. فأنت تصلي لأن الله حقيق أن تصلي له، لا من أجل ثواب، ولا من أجل إسقاط معصية، ولا عذاب، ولا عقاب، ولا ملامة، ولا عتاب، إنما تفعلها لوجه الله خالصاً. إنما الأعمال بالنيات. وإنما لكل امرئ ما نوى مخلصين له الدين هكذا هو خالص يصبح هذا قرضاً حسناً، فإن
رأى الله منك إخلاص النيات جزاك به ورد قرضك إليك بالرغم من أنه منه ولكنه سماه قرضاً تلطفاً بك ورحمة بك وزاد عليه ليس سبعة في المائة ولا خمسة في المائة كما ينص القانون المدني. ولا سبعة ولا خمسة، هذه أضعافٌ كثيرة، شيءٌ آخر. إذن فيضاعفه له أضعافًا كثيرة. حسنًا، أضعافه عرفناها أنني عندما أعطيه عملًا يعطيني أجرين، أعطيه عشرة فيعطيني عشرين. أما "كثيرة" هذه فماذا تعني؟ قال لك ربنا
علمنا الحساب، وعندما علمنا الحساب أصبح هناك طريقتان: طريقة الجمع وطريقة الضرب. فطريقة... الجمع تقول ماذا اثنان ثلاثة عندما تجمع عليها واحد فتصبح ماذا ثلاثة أربعة خمسة وهكذا أو تقول اثنان أربعة ستة ثمانية عندما تجمع على أصل اثنين ثمانية عشرة اثني عشر لكن ما رأيك مثلما هم هكذا سنبدأ بالاثنين لكن بدلاً من أن نجمع سنضرب، انظر إلى الأضعاف الكثيرة الآن اثنان أربعة. طيب، هي هي، قال لك فقط امشِ، فقط امشِ، لا تستعجل. ثمانية، ستة عشر، اثنان وثلاثون، أربعة وستون،
مائة وثمانية وعشرون، وأنت ماشٍ هكذا. ما هذا؟ مائتان وستة وخمسون، خمسمائة واثنا عشر، ألف وأربعة وعشرون. الله الله الله! هذه قاعدة تتسع لماذا؟ قال لك لأن هذه يسمونها... متوالية هندسية وهذه يسمونها الأولى، ومتوالية عددية هذه بالجمع وتلك بالضرب. ثم إن الله يضاعف ثوابك وترى الصدقة التي قدمتها، فسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "فيربيها ربك لك كما يربي أحدكم فلوه". مثلما تُربَّى الجمل الصغير هكذا ويكبر ويسمن، فمن مولود صغير إلى جمل كبير،
هكذا الله يربي لك الشيء (الصدقة) وينميها. هذه (ستستمر) حتى تكبر وتصبح مثل الجبال، وكل ذلك من شيء بسيط قدمته. يقول لك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ورُبَّ كلمة من رضوان الله لا تلقي لها بالاً تُدخلك في ربض الجنة" (أي في وسط الجنة)، وأنت لم تنتبه أن الكلمة التي قلتها هذه من الأمر بالمعروف. والنهي عن المنكر أو الإصلاح أو النصيحة أثَّرت في الناس إلى أي مدى وهزت ذرات الكون حتى وصلت القلوب. اللهم اجعلنا يا ربنا من أولئك الذين تُضاعف لهم الحسنات عندك أضعافاً كثيرة. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.