سورة البقرة | حـ 296 | آية 247 - 248 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة البقرة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه"، وما هي المقاييس إذاً ولماذا؟ يُؤتى سَعَةً من المال ليس بالغنى، تكون قيادة العسكر إنما بإتقان فنون الحرب. لا يمكن لأهل الثقة ولا أهل الوجاهة أن يتقدموا على أهل الكفاءة.
أهذا هو الدرس الذي تقوم عليه حضارة الأمة، وإذا تخلينا عنه تنهار تلك الحضارة؟ هل العبرة بالوجاهة وأهل الثقة والمحسوبية أم العبرة بأهل الكفاءة؟ العبرة بأهل الكفاءة. الكفاءة أن يكون له المُلك علينا، أن يكون له المُلك علينا، كلمة فتحت باب الشر والفساد. يريد المتكلم بها تقديم أهل الثقة وتقديم المحسوبية وأهل الوجاهة على أهل العلم وأهل الخبرة في المجال. "ونحن
أحق بالملك منه" لماذا؟ لأنسابهم، لحسابهم، "ولم يُؤتَ سعةً من المال"، قال: "إن الله اصطفاه عليكم". اصطفاه عليكم، هذا دليل على أن هذا الملك ليس فاسقاً كما قيل عنه أنه كان فاسقاً قتالاً ظالماً. اصطفاه... الاصطفاء يتناقض مع الفسق، وزاده بسطة. اصطفاه عليكم وزاده بسطة في أمرين: في العلم والجسم، وقدم العلم على الجسم،
العقل قبل العضلات. والعلم في لغة القرآن مرتبط بالخشية. الله وليس رصّ المعلومات وإدراكها والربط بينها، بل كلمة علم في القرآن لمن تتبعها رآها أنها تدل على العلم الموصل إلى الله. "إنما يخشى الله من عباده العلماء"، "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون"، "الرحمن علم القرآن خلق الإنسان" وهكذا، و"قل رب زدني علماً"، و"فوق كل ذي علم عليم" يعني. تبحث هكذا فتجدها كلها تدور في الوصول إلى الله الذي هو العلم المستنير، فهناك علم سطحي وعلم عميق وعلم مستنير. العلم السطحي يجعلك ترى
ظواهر الأشياء، والعلم العميق يجعلك ترى حقائق الأشياء بالمجهر، أما العلم المستنير فهو الذي يوصلك بالله، عندما ترى الشيء تقول: سبحان الله، آمنت بالله، لا إله. إلا الله وهكذا تربط الكون بالمكون سبحانه وتعالى والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع أي يقبل الضعيف والقوي والغني والفقير وما إلى ذلك، عليم بما يقيمه سبحانه وتعالى ويقيم الناس فيه، فأقام هذا في المُلك وفي القتال لأنه يعلم، فهنا مقارنة
بين سعة المال وبين بسطة العلم والجسم زاده. الله هنا سعة في العلم وسعة في الجسم وهما ركنان لهذا المقام. الملك والقتال والقيادة العسكرية والمال ليس ركناً ولا شيء. وقال لهم نبيهم إن ما هو ملكه؟ هؤلاء الناس كانوا ينشغلون بالمعجزات والآيات والكرامات دائماً، ثم قست قلوبهم، ولذلك ربنا سبحانه وتعالى بعد قسوة قلوبهم هؤلاء أرسل. لهم المعجزات تترى، فهذه معجزة. لماذا هي معجزة؟
لأنها كانت على يد نبي. فقد قال لهم نبيهم أن آية ملكه أن يأتيكم التابوت الذي ضاع منكم. لقد أضاع الله عنهم التابوت، فقال لهم: ما رأيكم الآن؟ ستجدونه فتعرفون أن هذا الرجل وجهه حسن، فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل. موسى وآل هارون، يا ترى من النصائح أم من الآثار؟ ربما. طيب، وأين هذه الآثار؟ وإلى أين ذهب هذا التابوت؟ لم يبق. إذاً آثار من التي أصبحت؟ سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، تجدها موجودة في مقام سيدنا الحسين، شعر الشريف المكحولة تجدها موجودة في
طوب كابو في القصر هناك في تركيا، تجدها. موجودة في بروناي تجدها هنا. هنا ما زالت آثار النبي تبارك الأرض إلى يومنا هذا. أما ما ترك آل موسى وآل هارون فقد أخفاه الله عنهم جزاءً بما كسبت قلوبهم. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.