سورة البقرة | حـ 32 | آية 4 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله سبحانه وتعالى نعيش هذه اللحظات، نستهديه ونطلب منه الهداية في حياتنا، في أفهامنا، في عقولنا. نعيش كتاب الله، لا نقف عند فهمه ولا عند التصديق به ولا عند العمل به، بل يتعدى ذلك إلى أن تكون حياتنا. يقول تعالى في استكمال صفات المتقين الذين يهتدون بكتاب رب العالمين بعد أن عدّد أن الإيمان بالغيب أساس من أسس ما يستقر في القلب، وأن الصلاة والنفقة
أساس من أسس تصديق ما في القلب بالعمل. يقول: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ إذ قد يكون. هناك مؤمن بالغيب ويقيم الصلاة وينفق ويفعل الخير لكنه قبل مجيء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان في نجاة، لكن عندما جاء النبي متوجاً رسل الله صلى الله عليه وسلم فهو خاتم النبيين، خاتم بمعنى أنه آخر النبيين، وخاتم بمعنى أنه زينة النبيين صلى الله عليه وسلم، فهو خاتم. النبيين صلى الله عليه وآله وسلم فلا
بد من ألا نصد الناس عن هداية الله الأخيرة. المسلم يؤمن بالعهد القديم الذي كان بين الله وبين إبراهيم وتُوّج بالتوراة كما هو في العهد القديم الذي نزل على موسى، ويؤمن بالعهد الجديد الذي نزل على عيسى عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، ويؤمن. بالعهد الأخير الذي نزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم، الذي في بدايته يقول ربنا للبشرية إن هذا هو العهد الأخير فلا تحجبوا الناس عنه، ويجعل
من سيكون له الهداية من هذا الكتاب من أنهم الذين يؤمنون بما أُنزل إليك. بعض الناس يقول: إذاً أنا أؤمن بما أُنزل على... نبي ولا علاقة لي بالسابقين فلا أؤمن بهم. وأرفض أن يؤمن شخص بمحمد ولا يؤمن بعيسى وموسى، وربنا قال أيضاً هذا ليس معنا. الله جعل هذه الأمة منفتحة تجعل الإيمان بالأنبياء السابقين جزءاً من إيمانها. لا يصح أن تنكر موسى
أو تنكر عيسى، أو عندما ينحدر السفلة فيسبون. رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما كان يفعل أهل الجاهلية الأولى، قوم أنت تسب واحداً ممن منَّ الله عليهم بالنبوة وجعلهم من الصديقين الكبار والأنبياء المتقدمين والرسل الكرام، لا يجوز أن تكفر أنت. أهكذا فقط يكون هو الذي يقل أدبه عليَّ وأنا أسكت؟ تسكت ماذا؟ لا تسكت. ما هذا! نبيك أنت فيقول الله وما أُنزِل من قبلك وما أُنزِل من قبلك جزء من الإيمان بالإسلام. لا يجوز إطلاقًا للمسلم أن ينكر أو أن يسب أو
أن يشكك أو أن يتهم أو أن يقبل في رسل أو رسول من رسل الله سبحانه وتعالى أي شيء. لماذا؟ لأن هؤلاء أنبياءنا نحن هذا النبي. أنا فدخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة من غزوة فوجد اليهود تصوم يوماً، قال: "ما هذا؟" قالوا: "هذا يوم عاشوراء"، كان العاشر من شهرهم الأول تشري وكان موافقاً عشرة محرم، قال: "ولم هذا؟" قالوا: "هذا يوم نجّى الله فيه موسى"، قال: "نحن أولى بموسى منهم"، فصام فرحاً بنجاة. موسى الذي لنا، موسى هذا هو الذي للمسلمين. فالمسلمون لم يمنعوا
أحداً من طوائف الخلق بالرغم من أنهم أنكروا النبي صلى الله عليه وسلم طغياناً وإنكاراً، إلا أن المسلمين لم يفعلوا معهم إلا العيش في سلام. ولذلك تجد في كل العالم الإسلامي من شرقه إلى غربه، وقد تمكن منه مئات السنين تجد جميع طوائف البشر حتى ممن ادّعى أن له كتاباً صدقناه، الهندوك صدقناهم، الزرادشتيين صدقناهم، الصابئة الذين قالوا كتابنا كتاب يحيى صدقناهم، وهم باقون إلى يومنا هذا في العالم الإسلامي، دع عنك اليهود
والنصارى. إذاً هذا دين عالمي أولاً يُرسل إلى كل العالمين، فأمة الدعوة هم من في الأرض جميعاً. ثانياً: أنه خاتم إلى يوم الدين. ثالثاً: هو يؤمن بمفهوم الأمة الضاربة في الزمان، فأمة الإسلام تبدأ من آدم، وفي الطريق عند إبراهيم "هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس، فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير". إذا هذا هو المسلم المنفتح، المؤمن. كل
هذه القضية هي جزء من إيمانه، والذين يؤمنون بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلك. طيب، يكفي هكذا. ها نحن قد آمنّا بالدنيا وانتهى الأمر. آمنّا أن هناك إلهاً، وآمنّا بأن نقيم الصلاة حتى تؤتي أثرها، وآمنّا بأن ننفع الناس فننفق مما رزقنا. وآمنّا بما أنزل الله على محمد وما أنزل على من قبله وانتهى الأمر، وأن هي إلا حياتنا الدنيا ونعيش سعداء في الحياة الدنيا وانتهى الأمر. قال له: لا يصح ذلك، لا بد أيها المؤمن أن تجعل الآخرة مسيطرة على سلوكك في هذه الدنيا. ماذا تعني هذه الآخرة؟ فيها جنة وفيها نار. فيها حساب وعقاب
وثواب، وهذا يُفهمني أنه في الدنيا عندما تُقدم على فعل الشر، راجع نفسك لأنك ستُحاسب، وإن أفلتَّ بها في الدنيا فلن تفلت في الآخرة. وماذا يفيدني إن قصّرتُ في الخير أن أستجمع همتي وأقول: أنا أريد وأرجو وجه الله، فتدفعني الآخرة. لفعل الخير ولمنع الشر ما الذي يجعلك لا تتسلط على أموال الآخرين وأعراضهم؟ ما الذي يجعلك تكف أيديك عنهم؟ ما الذي يجعلك تحاسب نفسك قبل أن تُحاسب؟ إيمانك بالآخرة. فأصبح الإيمان بالآخرة أحد الضوابط السلوكية الحياتية التي بها عمارة الدنيا. تخيل أنه
ليس هناك آخرة، لتسلط القوي على الضعيف. وسيطر الظالم على المظلوم واستحل كل إنسان ما يفعله والذي تكسبه العبودية والمنفعة والمصلحة هي الأساس، أما الإيمان بالآخرة فيحول سعيك إلى قضية لها هدف، فلا تظلم ولا تطغى ولا تتسلط ولا تسرق ولا تزني وهكذا، لماذا؟ لأنك تخاف من ربك وترجو رحمته سبحانه، وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام. عليكم ورحمة الله وبركاته