سورة البقرة | حـ 320 | آية 269 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

سورة البقرة | حـ 320 | آية 269 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة - تفسير, سورة البقرة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة البقرة، يمن الله سبحانه وتعالى علينا بمنته التي لا تتناهى، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها، فيقول سبحانه: يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا. وما يتذكر إلا أولو الألباب وفي هذه الآية يمن الله على بعض عباده بأن يؤتيهم الحكمة وكلمة الحكمة أتت من الجذر ح ك م وحكم معناها ضبط وأتقن ومعناها
قضى بين الناس ومعناها أمر ومعناها أنه بذل جهدا ومن هنا سمي الشيء المحكم أي المتقن بذلك محكما ولذلك فالمحكم صفة من صفات القرآن الكريم وسمي ذلك الذي يصدر من القاضي للقضاء بين الناس ورفع النزاع ومنع مادة الخصام بالحكم، وسمي ذلك الخطاب الرباني الإلهي بالأمر والنهي بالحكم حكم الله، وذلك
يبين لنا أن كل هذه المعاني تدخل في معنى الحكمة، فالحكمة هي أن تضبط الأمور وأن تتقنها وأن ترفع النزاع. والخصام بها وأن تمتثل إلى أمر الله ونهيه سبحانه وتعالى فإذا فعلت ذلك كنت حكيما وإذا لم تفعل ذلك فلست من الحكمة في شيء ويلخص ذلك كله قولهم إن الحكمة هي وضع الشيء في مكانه الصحيح متى تكون حكيما عندما تدرك الزمان
الذي فيه وعندما تدرك المآل والهدف للموقف الذي فيه وعندما تدرك المقصد والغاية التي يجب عليك أن تسعى إليها، فإن كنت مدركا لذلك واعيا به فأنت حكيم، وإن لم تكن كذلك بأن غاب عنك الزمان أو المكان أو بأن غاب عنك الشخص فاختلط عليك الحال أو بأن فقدت الغاية والقصد فإنك لست بحكيم. يؤتي الحكمة من يشاء، فالحكمة أن تضع الشيء في مكانه الصحيح، فإذا لم تضعه
في مكانه الصحيح فلست بحكيم. ومما يؤثر عن سيدنا علي رضي الله تعالى عنه أنه كان يقول: ليس كل ما يعلم يقال، خاطبوا الناس على قدر عقولهم. ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما رجل خاطب الناس بما لا يصل إلى عقولهم إلا كان فتنة عليهم ويقول نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم فلا بد أن يكون الخطاب على قدر عقل من أمامك المتلقي ليس كل ما يعلم يقال ولا كل ما يقال حان أوانه
أي أنه قد يكون هناك شيء تستطيع أن تقوله لكن ليس الآن ولذلك كان الإمام الشافعي يقول الكلمة تملكها حتى تنطق بها فإنها تملكك بعد أن تنطق بها تصبح هي التي تملكك وليس أنت الذي يملكها لأنك أنت قبل أن تنطق إما أن تقول وإما ألا تقول أنت الذي يملكها تستطيع أن تتحكم فيها قلتها فأصبحت حجة عليك إذن ليس كل ما يعلم يقال، وليس كل ما يقال حان أوانه، وليس كل ما حان أوانه حضر أهله. انتبه، يعني هل جاء الزمن المناسب؟ نقول فقط أمام
هؤلاء، أليس كذلك أنتم المخاطبون؟ يجب أن تراعوهم، انظر، نعم الكلام يقال، نعم من النوع الذي يقال، والزمن الخاص به أيضا يمكن أن إن شاء الله الآن ولكن ليس مع هؤلاء بل مع أشخاص آخرين سيأتي إلى هنا من الناحية الأخرى هكذا فهو ليس مع هؤلاء لأن هؤلاء يجلبون المشاكل ولا يفهمون وكل من حضر أهله ضاق عليه يعني هو أيضا أهله موجودون ولكن عندما تقول له ذلك قل له برفق لئلا يعجز كن رؤوفا جدا بالناس، هذه هي الحكمة، أن تضع الشيء في مكانه الصحيح، يؤتي الحكمة
من يشاء، هذا هو الفرق بين العلماء الحكماء وبين المتصدرين الأغبياء، بعض الناس يتصدر هكذا قبل أن يتعلم، ومن تصدر قبل أن يتعلم كمن أصبح زبيبا قبل أن ينضج، جعل نفسه عنبا وهو لا الدنيا تقول لك إن الذي ليس أنا أصبحت أقرأ القرآن نعم أنت تقرأ القرآن وتحفظه كله وأقول السنة نعم ولكن أنت تقولها بطريقة مضطربة وهذا لا يصلح فلا بد من وراء الكتاب والسنة من فهم واع ومن مراعاة لمقاصد الشريعة الشريفة ومن مراعاة لأهداف هذا الدين العامة لا بد وإلا يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت
الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا لأنه يضع الشيء الصحيح في المكان الصحيح وما يتذكر إلا أولو الألباب وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته