سورة البقرة | حـ 323 | آية 271 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة البقرة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "إن تبدوا الصدقات فنعما هي" يعني فنعم هي. لماذا؟ لأن إبداء الصدقات فيه نوع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيه نوع من إشاعة. الخير بين الناس، جاء بعض الفقراء إلى المسجد النبوي الشريف وجلسوا، فقام النبي صلى الله عليه وسلم ودعا
الناس أن يتصدقوا على إخوانهم الفقراء الواردين القادمين إلى المسجد، فكأنه تلكأ الناس وأخذ كل واحد ينظر يميناً وشمالاً. انظر، أي عندما يريد الشخص أن يتهرب يحدث له هكذا. قال: فتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم غضباً، فقام أحد الصحابة فأتى بصرتين - الصرة التي نعرفها، وهي الكيس - أي بصرتين ثقيلتين لا يقدر على حملهما، فوضعهما بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فاستبشر خيراً، فقام الناس فتصدقوا لما رأوا
هذا الرجل، وقالوا: يا له! قد أحضر شيئاً كثيراً. لقد أعطيت بعض الكلمات المصرية متفرقة، ثم جزءًا من حديث نبوي شريف. الحديث الشريف مذكور بالفصحى أصلًا وهو: "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من اتبعها إلى يوم الدين، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من اتبعها إلى يوم..." أما الكلمات المصرية في البداية فترجمتها: "جدًا يعني حسنًا، أنا معي في جيبي الآن شيء، إنني هكذا، كل واحد ماذا، بدأ نفسه انفتحت..." الدين فعرف العلماء من هذا معنى البدعة القبيحة وهي أن تكون مناقضة للدين، فإذا كانت حادثة موافقة للدين ولما أمر رسول الله كانت سنة حسنة حتى ولو لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنها نوع من أنواع تطبيق الشريعة، ولذلك كانت من السنة الحسنة صلاة التراويح التي سنها. سيدنا عمر
رضي الله تعالى عنه، وكان من السنة الحسنة أن يجتمع الناس لقراءة القرآن في المغرب العربي. لما دخل المسلمون وجدوا البربر يثقل عليهم قراءة القرآن، فقرأوه جماعةً، فلانت ألسنتهم بالعربية وبالقرآن وبذكر الله، فدخل الإسلام فيهم جداً. فتقول هذه بدعة؟ بدعة كيف؟ هذه سنة حسنة لأنها طبقت الدين. وحببت الناس في الله ورسوله وكتابه وذكر ربنا سبحانه وتعالى أن تُبدوا الصدقات فنِعمَّا هي، يصبح إذاً إبداء الصدقة هو نوع من أنواع الدعوة إلى الخير، نوع من أنواع الحث على فعل الخير، وأن تخفوها
وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم أيضاً. لماذا قال هذا؟ إنها مسألة نفسية لأن الإنسان يريد أن يكون بينه وبين الله عمل خالص سر في الخفاء لا يريد به رئاء الناس. إذا تصدقت في العلن فانوِ الدعوة إلى الخير، وإن تصدقت في الخفاء فانوِ الإخلاص لله. عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر، وإن أصابته ضراء صبر، ما هذا! لا مثيل له. فاعل كل حياته حلوة، يسير هكذا: أصابته سراء، فيقوم يشكر، وينفق، ويظهر العبادة،
ويقوم ينوي بها الخير. أصابته ضراء، فيقوم يصبر، أو يسر العبادة، ويقوم ينوي بها الإخلاص. وهكذا العلن والسر، والضراء، والحرب والسلم عنده سواء، فإنه يعلق قلبه بالله رب العالمين في كل حال، ولذلك هو عبد رباني. إذا مد يده إلى السماء قائلاً: "يا رب"، استجاب الله له ويكفر عنكم من سيئاتكم. هذا كلام مستقل، لم يقل: "وإن تخفوها وتؤتوها يكفر عنكم".
لا، هذه مضمومة الراء، مضمومة "ويكفرُ عنكم"، فيكون كلاماً ابتدأ هكذا، ليس له علاقة بالآية، بالشرط الماضي. "ويكفرُ عنكم" يعني هو شأنه هكذا سبحانه وتعالى جل. جلالته من الحقائق الإيمانية أنه يكفر عنا سيئاتنا ويكفر عنكم من سيئاتكم أيضاً منه يعني ولو كانت قليلة أو كثيرة والله بما تعملون خبير. حقيقة إيمانية. فيكون كل هذا القرآن يشتمل على حقائق إيمانية تستطيع أن تتتبعها فتخرج بصورة واضحة جلية لهذا الدين وتخرج بصفات ربك سبحانه وتعالى
وتعلم من تعبد. ذكرنا أن كثيراً من الأديان لا تعرف من تعبد، ولو سألتهم: ربنا هذا ما شكله؟ يعني ما صفته؟ بماذا يتصف؟ ما الأمر؟ يقول لك: لا أعرف. لكننا نحن نعرف ونستطيع أن نقول إنه هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الفتاح. العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل. ما هذا؟ ما هذه القصة؟ نحن نعرف بالضبط من نعبد، ونضيف إليها أن ربنا ضد الظلم، وما للظالمين من
أنصار، وأن ربنا يعلم السر وأخفى. إن تبدوا الصدقات فنعما هي، وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم، وأن ربنا يكفر عنا. سيئاتنا ويكفر عنكم من سيئاتكم وأن ربنا بما نعمل خبير والله بما تعملون خبير، وهكذا كل آية تبين حقيقة إيمانية إنما هي ترسم لنا في إيماننا من نعبد من غير تشبيه ولا تعطيل ومن غير تأوّل على الله، فإن الذي أخبرنا عن نفسه هو الله، فاللهم يا ربنا اغفر لنا. ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته