سورة البقرة | حـ 332 | آية 275 - 276 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

سورة البقرة | حـ 332 | آية 275 - 276 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة - تفسير, سورة البقرة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. اللهم اشرح صدورنا وعرفنا مرادك من كتابك يا أرحم الراحمين. مع كتاب الله وفي سورة البقرة ومع قوله تعالى وهو يحذر البشرية كلها من أكل الربا وأن الربا إنما فيه خراب الدنيا، يقول ربنا الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا، فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله، ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون، يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار
أثيم قرن الله هنا بين الزكاة وبين الربا فالربا يدمر والزكاة تعمر وبتحريم الربا المدمر وبإيجاب الزكاة التي تعمر يحيا الإنسان ويحدث هناك مشاركة حتى بين الغني والفقير وبين القوي والضعيف ويحدث هناك حرية سياسية وتحدث هناك كفاية اقتصادية ويحدث هناك مجتمع مثالي أراده الله. سبحانه وتعالى ووصل إليه المسلمون حتى أن عمر بن عبد العزيز قد طاف بالصدقات والزكاة فلم يجد أحدا في الدولة يريدها أو يأخذها من الغنى الذي تحقق عندما التزموا بكلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وفتح الله عليهم الدنيا كما
فتح لهم أبواب الآخرة فقوله تعالى يمحق الله الربا يعني المحق ضد البركة، فإذا كانت الزكاة تبارك فإن الربا يحدث ضد البركة، وإذا كانت الزكاة فيها نماء فإن الربا يحدث ضد النماء. يمحق الله الربا وحتى يشجعنا سبحانه وتعالى على فعل الخيرات، ولما رأى أن نفوس الناس قد تعلقت بالزيادة والزيادة التي في غير مقابل فيقول ويربي الصدقات، فالله سبحانه وتعالى هو الذي يربي، هو الذي يعطي
بلا مقابل. أما أن يعطيك بلا مقابل المدين فقد ظلمته، ولكن الله سبحانه وتعالى وهو يتصرف في ملكه، ومن تصرف في ملكه لا يوصف بالظلم أبدا، فإنه يفعل ما يشاء فعال لما يريد. يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار آثم إذ إن الذي يحلل الربا والذي يأكل الربا والذي يمنع الزكاة والذي يأكل مال الزكاة بعدما وجبت في ذمته لله رب العالمين فخرجت من ملكه إلى ملك الله فهو يعتدي في كلا الأمرين إذا ما مارس الربا اعتدى على أموال
الآخرين وإذا ما منع الزكاة عن مستحقيها فقد اعتدى على أموال الآخرين وهنا تقوم الزكاة على فكرة خروج هذا المبلغ من ملكك إلى ملك الله ولذلك إذا لم تؤدها إلى أصحابها فأنت ظالم قد كفرت نعمة الله عليك أي سترت نعمة الله عليك ولذلك سماه والله لا يحب كل كفار أثيم وكفار فعال والفعال صيغة مبالغة من الاسم الفاعل كافر والكافر هو من يستر الحق في الأرض ثم سمي من ستر الإيمان في قلبه بمجموعة من الأكاذيب والترهات كافرا لهذا ولذلك كفار يعني يعود كثيرا لأن
من اعتاد على الربا وسار فيه فقد ارتكب الآثام واحدا تلو الآخر وكفر نعمة الله عليه دائما وكذلك من اعتاد على عدم إخراج الزكاة يخل ذلك بدينه وتقواه عند الله، ولذلك سماه بهذه الصيغة التي بالغ فيها وهو يقول: والله لا يحب كل كفار أثيم. وأثيم على وزن فعيل، وفعيل صيغة مبالغة، إذن إذا كان كفار صيغة مبالغة وأثيم صيغة مبالغة، فإن الله يبالغ في ذمه بصفتين لا بصفة واحدة، ويضيف إلى صيغة مبالغة صفة عدم حب الله له، الله
لا يحب، فهنا لما الله لا يحب هذه لوحدها تجعل الإنسان يقشعر بدنه من خشية الله، فإن الله يكره هذا الفعل، فإذا أضيف إلى ذلك والله لا يحب كل، الله يعني ليس بعض الكفار الأثيم يحبه وبعضهم يكرهه، فكلمة كل هذه للتأكيد فأضاف إلى الصفة الأولى من عدم الحب أضاف إليها تأكيدا ثانيا بعد ذلك كفار صيغة مبالغة هذه رقم ثلاثة أثيم صيغة مبالغة هذه رقم أربعة فتكون أربعة دوافع تدفعك لألا تفعل هذا أولا أن الله لا يحبها وما لا
يحبه الله فإن الله لا يبارك فيه وما لا يحبه فإن الله يغضب عليه وما لا يحبه الله فلا ثواب فيه ولا أجر وما لا يحبه الله فإنك ستقف يوم القيامة موقفا عظيما أما الذي يحبه الله فإنه في ظل عرش الرحمن يوم القيامة سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وبعد ذلك ذكر هكذا أصنافا سبعة العلماء عندما تتبعوا الروايات تبين أنها تسعون صفة أوردها الشيخ الزرقاني في شرح الموطأ تسعون صفة تستوجب ظل الرحمن نحن نعرف منها اثنتين تحابا في الله فاجتمعا عليه وافترقا عليه نعرف
منها الإمام العادل نعرف منها الرجل الذي راودته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله نعرف منها من أنفق بيمينه صدقة حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه، تعرفون قليلا هكذا، لكن ما رأيكم فيمن يتتبع الروايات فيجدهم تسعين شخصا، من هؤلاء التسعون الذين كانوا يفعلون ما يحب الله، والله وبقية الناس الذين وقفوا في الشمس كانوا يفعلون ما لا يحب الله، هذا حب الله وهذا كره الله كره الله لكم كثرة القيل والقال وكثرة السؤال وإضاعة المال، فإذا هنا يوجد تأكيد على محق الربا وعلى نماء وبركة
الزكاة، وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.