سورة البقرة | حـ 49 | آية 21 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

سورة البقرة | حـ 49 | آية 21 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة - تفسير, سورة البقرة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. فمع كتاب الله نعيش هذه اللحظات، نستهديه في حياتنا ونحاول أن نلتمس مراد الله من كتابه حتى نعيش في ظلاله. قال تعالى: "يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون وهنا فإنه يخاطب الناس أجمعين، وعندما يقول يا أيها الناس فإن بعض العلماء يقول أن كلمة يا أيها الناس قد نزلت بمكة، ويا أيها الذين آمنوا نزلت بالمدينة، حتى إننا إذا أردنا أن نعرف المكي من المدني كان
ذلك مقياسا له، ولكن هذا ليس مطردا، واستدلوا بهذه الآية فالبقرة سورة البقرة نزلت في المدينة المنورة، وهنا "يا أيها الناس" و"يا أيها الذين آمنوا" فعلا كلها نزلت في المدينة المنورة، أما "يا أيها الناس" فقد نزلت في مكة المكرمة كما أنها نزلت بعضها في المدينة المنورة، فليست مقياسا ولكن تعني أنه يخاطب العالمين، يخاطب المسلمين ويخاطب غير المسلمين، وتعني أن به ربهم سبحانه وتعالى من أسس الاجتماع البشري يا أيها الناس، والناس قد تكون من النوس أي الحركة، والناس قد
تكون من نسيان أي أنه قد خرج من ذاكرته ما دخل فيها، فالنسيان من سمات ابن آدم. لما عاهد ربه فنسي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نسي. آدم نسي ذريته فسمي بذلك إنسانا وسمي الناس ناسا والشاعر يقول ما سمي القلب إلا لأنه يتقلب القلب سمي بالقلب لأن له أحوالا يتقلب فيها وما الإنسان إلا أول الناس أول الناس من سيدنا آدم فلما عاهد ربه ونسي نسيت ذريته باعتبار أن النسيان صار فطرة وصار خصيصة
من بني آدم، هل هناك فرق بين النسيان وبين السهو؟ ليس هناك فرق لا في اللغة ولا في الشرع، فالنسيان هو السهو والسهو النسيان، هذا من المترادفات إلا في الاصطلاح جعلوا السهو لمن إذا ما ذكرته تذكر، والنسيان لمن إذا ما ذكرته لا يتذكر، يعني تقول له أتتذكر يوم لم نكن يوم الثلاثاء الماضي نفعل ذلك، قال إنني لا أتذكر، تذكر جيدا لا يستطيع أن يتذكر هو حدث فعلا ولكنه لا يستطيع أن يتذكر، فإذا كان على هذه الصفة في الاصطلاح يسمى هذا النسيان، فالنسيان يكون أشد من السهو، أما السهو فلو سها أحدنا في الصلاة ثم نبهه المصلون بالتسبيح أو بالتصفيق للنساء فإنه
يتذكر أنه فعلا ترك التحيات التي في الوسط فيكون عليه سجدتا سهو أو يكون مثلا عليه ركعة فيقوم فيأتي بالرابعة إلى آخره هذا إذا ما تذكر فيكون هذا السهو وإنما هذا في الاصطلاح الجاري بين العلماء لكن لما نرجع إلى اللغة فتكون اللغة فيها معان قد لا تكون في اصطلاح الفقهاء نعم طبعا وقد لا تكون في اصطلاح العلماء طبعا عندما نأتي لنقرأ القرآن نقرؤه بماذا قال تقرؤه باللغة لا تقرؤه باصطلاح لا الفقهاء ولا المتكلمين ولا كذلك إلى آخره هذه اصطلاحات حادثة حدثت بعد أصل اللغة ومن هنا كان الاهتمام باللغة العربية أمر مهم لإدراك معنى كلام الله سبحانه وتعالى يا أيها الناس
خطاب للجميع إذن فالمخاطب به سوف يكون من أسس الاجتماع البشري اعبدوا ربكم يبقى إذن الإلحاد إذا عم العالم كان خرابا للدنيا والعبادة كانت صلاحا للدنيا في عصور سميت بعصور الإيمان إذا ما سرت في الأرض رأيت لكل إنسان دعنا نسأل ما دينك؟ فيقول لك والله أنا هندوسي أنا بوذي أنا شنتوي أنا كذا أنا لا دين لي. لقد أصبح الدين الآن من الأحوال الشخصية، أي أنه من العيب أن تسأل عنه أحدا، أي لا تقل لأحد ما دينك؟
لا تقل ذلك، فمن العيب ألا تسأله عن حاله إذا أو غير متزوج ولا تسأله عن مذهبه السياسي ولا تسأله عن رأيه الاعتقادي وتجد الجار بجانب الجار وهو لا يعرف، كل واحد منهما لا يعرف إن كان هذا متدينا أم غير متدين وهكذا، طيب إذا لم يعبد الناس ربهم فماذا يحدث؟ يحدث فقدان للمقياس، لا نحن نعرف الصحيح من الباطل ما هو الصحيح، ما هو الحق، ما هو العدل؟ الله سبحانه وتعالى بين لنا هذه الأشياء فنرجع إليها، وقال لنا إياكم أن تكيلوا بمكيالين بين المسلمين وغير المسلمين ولا بين الإنسان والكون.
لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، إذا هذا مطلق، عندما يخرج الناس عن نطاق الإيمان بالله فإلى ما يدخلون؟ يدخلون إلى النسبية المطلقة، ما معنى النسبية المطلقة؟ أي يحتل الأرض ويقول هذا حقي، الأمر الواقع هكذا، أنا أقوى منك يا أخي فيكون هذا ملكي، فأين العدل؟ قال اتركك من العدل العدالة أن هذه أرضك ولكنني أريدها، فما معنى العدالة؟ لن نعرف كيف نطبقها. قال إن العدالة تسقي المياه الآن أم لا تسقي المياه،
القوة هي التي تسقي المياه. تعالوا نقول صدق الله "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم" التي نسميها الآن في قوة الردع نعم، فعندما يعلم أن القوي لا يضربك ولكنه عرف أنك ضعيف يقوم فيستأسد عليك، فإذا ما طالبته بالحق والعدل ضحك، والعدل ماذا؟ انظروا عبادة الله تؤدي إلى استقرار الناس وأمنهم معروف، حسنا افترض أن أحدا ظلم نعم فيصبح معروفا أنه ظالم فيصبح كل الناس يعيبونه أي يصبح معروف أنه خرج عن نطاق العدل فمعروف أنه اغتصب الأرض أو استغل الشعوب أو طغى أو بغى، لكن إذا لم يكن
هناك الله فليفعل كل أحد منا ما يشاء، وهذا يستمر أم أن هذا يفسد الاجتماع البشري؟ هذا يفسد الاجتماع البشري ولكن بعد مدة وتسيل بسببه دماء ولكن بعد مدة ويسير الناس في هرج ومرج لا نعرف قبله من دبره، ولكن بعد مدة إلا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير سبحانه وتعالى. فلما نادانا يا أيها الناس تلاها شيء يقوم عليه الاجتماع البشري اعبدوا ربكم، وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.