سورة البقرة | حـ 64 | آية 29 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

سورة البقرة | حـ 64 | آية 29 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة - تفسير, سورة البقرة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله سبحانه وتعالى نعيش هذه اللحظات مع قوله تعالى في سورة البقرة "هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا"، وتحدثنا في حلقة سابقة عن العلاقة بين السبب والمسبب وأنها مبنية على الأغلبية والعادة وأن الله سبحانه وتعالى يخلق الإحراق عند مماسة النار ويخلق الشبع عند مماسة الطعام لمعدة الإنسان ويخلق الري عند مماسة الماء لفم الإنسان
وهكذا وأن العلاقة بين السبب والمسبب ليست حتمية لأن القائل بالحتم ينكر المعجزات وإنكار المعجزات فيه إنكار للكتب التي نزلت من عند الله ولهدايتها وهنا يقول ربنا سبحانه وتعالى هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا، إذن ما الذي سوف نراه في هذه الأرض، في هذه الأرض نرى وراءها خلق الله، وقلنا إن الإنسان لا بد أن يستحضر المخلوقية، أن هذه الأرض مخلوقة وهذه السماء مخلوقة وأنها مسخرة
للإنسان وأنها من عند الله ولا شيئا من هذا لأنه لو ظن أن هذه الأرض ليست مخلوقة وليست مسخرة وليست من عند الله لانحرف عن الصراط المستقيم يقول ربنا سبحانه وتعالى ثم استوى إلى السماء وهذا غيب لم نر ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا وما كنت متخذ المضلين عضدا ولكنه هنا يخبرنا خبر الإيمان خبرا يؤثر في حياتنا وفي مناهج علمنا وبحثنا يؤثر في طريقة تعاملنا
مع الكون وهو أنه سبحانه وتعالى استوى إلى السماء والاستواء هنا معناه أنه ارتفع إلى السماء وهذا يناسب ما عليه عقلنا من أن السماء فوقنا وأن الأرض تحتنا في حين أن هذا العالم له ظاهر وله حقيقة، الظاهر أن لدينا أسفل وأعلى، الأسفل هو الأرض والأعلى هو السماء، والسماء كل ما فوقك أي حتى السقف يسمى سماء، السحاب يسمى سماء، المطر يسمى سماء لأنه يأتينا من جهة العلو، إذا
نزل المطر بأرض قوم رعيناه ولو كانوا غاضبين، إذا نزل المطر بأرض قوم يعني إذا نزل المطر سمي المطر سماء لأنه يأتينا من جهة العلو، لكن حقيقة الأرض أنها كرة وأنها تسبح في الفضاء حول الشمس وأن الشمس تجري في مجرتها، فأين الفوق والتحت وفوق ماذا وتحت ماذا؟ لا تعرف مقدمتها من مؤخرتها كما لا تعرف بداية الدائرة من نهايتها، أين بداية الدائرة؟ لا أعرف أين أعلاها وأين أسفلها، أنت تنظر إليها من أين؟ هذه الدائرة مكتوبة أمامك على الورق، فيكون هذا يمينها وهذا
شمالها، فأين الأعلى وأين الأسفل وهكذا إلى آخره، فالمسألة نسبية. حسنا يقول ثم استوى إلى السماء أي ارتفع إلى السماء، نعم فإذن هناك قاعدة جليلة في فهم كلام الله وهي أن الله قد خاطبنا بالظاهر أساسا بما لا يناقض الحقيقة فكلفنا بالمشترك بيننا، ما هو المشترك بيننا؟ الظاهر، ما المشترك ما بين الجاهل والعالم وبين الأمي والمتعلم وبين البدوي والحضري وبين الكبير والصغير؟ الظاهر، المدرك بالحس المعتاد، كلنا
نرى أن الأرض منبسطة حتى لو كانت جميعنا نرى الشمس تشرق من المشرق وتغرب في المغرب حتى لو كانت ثابتة، إذن هناك قاعدة جليلة وهي أننا إذا قرأنا القرآن فإن مستوى المعرفة الأولى فيه إنما يخاطب الناس أجمعين مؤمنهم وكافرهم عالمهم وجاهلهم، ولذلك فهو يخاطبهم بالظاهر، والحقائق التي تظهر لنا أما بالمعقول وإما بالمحسوس وإما بالتجريب وإما بالاستنباط وإما الحقائق العلمية قال
لا يخالفها قال حسنا وهذا شأن كلام البشر أن يخاطبهم فإذا بهم يخاطبونهم على مستوى معرفي يشمل جميع المتلقين فيما هم مشتركون فيه من إدراك الظاهر ثم بعد ذلك لا يخالف في حرف واحد الحقائق التي يكتشفها الإنسان شيئا فشيئا شيئا فشيئا شيئا فشيئا شيئا فشيئا عبر تاريخه الطويل، هل هذا يمكن أن يكون من عند محمد؟ والله لو اجتمعت الجن والإنس بعلومهم وعلومهم محدودة تزداد كل يوم، ما استطاعوا لسبب بسيط وهو أنهم لا يدركون الغيب،
ولسبب آخر وهو أنهم لم يحيطوا بكل العلوم وبكل المعلومات، ولذلك كلما اتسعت لدى البشر كلما اتهموها بالعشوائية حتى ينظروا إلى النظام داخل هذا الذي يدعونه عشوائيا أولا فيقولون لا هذا الجزء قد فهمناه ليس عشوائيا بل يتبع النظاما وهكذا يحل هذا أن نؤمن بكلام ربنا سبحانه وتعالى ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين خسروا المبادئ الأولى الضابطة الرابطة للفكر المستقيم خسروا المؤمنون فقدوا بسبب انحطاط المسلمين
القيادة الفكرية المؤمنة المستنيرة التي كلما توصلت إلى الحقيقة وضعتها في مكانها الصحيح ولم تزدد بها حيرة، هؤلاء أناس كلما ازدادت معلوماتهم كلما ازدادت حيرتهم، وهؤلاء أناس كلما ازدادت معلوماتهم كلما ازداد يقين الإيمان في قلوبهم، فهل يستويان؟ هذه هي القضية، ليست تحصيل العلم، واجب العلم طلب العلم واجب على كل مسلم قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يخشى الله من عباده العلماء أول ما أنزل اقرأ هذا لدينا قصة العلم هذه أساس من أسس الدين ولكن الحيرة التي تنتاب
الإنسان كلما تعلم سببها أنه قد أخرج الله من منظومة فكره والله سبحانه وتعالى هنا يردنا إليه هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات، جزء مرئي مدرك متفق عليه بين الناس وجزء ينبغي علينا أن نصدق فيه ربنا سبحانه وتعالى، قال صدق الله وهو بكل شيء عليم. كان يناسب هذا وهو على كل شيء قدير أنه خلق لنا ما في الأرض جميعا أنه خلق لنا السماوات السبع لكن هذا فيه إشارة إذن هنا وهو بكل شيء عليم أي أن هذه الآية تتعلق
بالمنهج العلمي بمنهجك في الإدراك بمنهجك في تفسير ما حولك من الكون وأنه قائم على الظاهر المشترك ولا يخالفه وفي في الوقت نفسه أي دوائر معرفية أخرى يكتشفها الإنسان عبر التاريخ البشري سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق وكلما ازدادت المعلومات لدى هذا المؤمن كلما ازداد يقينه وعند غير المؤمن تزداد الحيرة وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله