سورة البقرة | حـ 67 | آية 31 : 32 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مع كتاب الله سبحانه وتعالى نطلب منه الهداية ونقف عند كل آية بل كل كلمة منه فهو من كلام رب العالمين وفضل القرآن على كلام الناس كفضل الله سبحانه وتعالى على عباده فالرب رب والعبد عبد وهناك فارق بين المخلوق والخالق يقول ربنا سبحانه وتعالى وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين هذه آية
عظيمة لأنها جعلت معيار التفضيل بين آدم والملائكة العلم وجعلت الصفة التي يستحق بها آدم الخلافة في هذه الأرض عن الله سبحانه وتعالى العلم إذا هذه الصفة إذا اتصف بها الإنسان فهو إنسان حضارة إنسان بناء إنسان عمارة إنسان عبادة لله رب العالمين وإذا لم يتصف بها فإنه يكون ناقصا نقصانا قادحا في خلافته إذا فالعلم مسألة أساسية وصفة ربانية بها
مراد الله يتم، مراد الله لا يتم إلا إذا تعلمت ماذا تعلمت؟ كل شيء، ولذلك الفعل يعد من النكرات لأنه يشتمل على المصدر، والمصدر إذا لم يعرف فإنه يدل على كل الصفات بإطلاق. اعلم أن هذا فعل، فما بداخله؟ ما دام فعلا، فالفعل هذا عبارة عن كوب مملوء بالماء. الفعل "ضرب" كوب وبداخله الضرب، "أكل" كوب وبداخله الأكل، "شرب" شيء. هكذا إناء هكذا
ظرف نضع فيه مصدره علم، شيء هكذا هو مثل كوب هكذا وجوهره ماذا علم، طيب جوهره العلم أم جوهره علم؟ قال جوهره علم، لأنك يمكن أن تتعلم حرفا من "علمني حرفا صرت له عبدا" يعني يطيع في كل الأمور، حرفا إذن يمكن أن تعلمه في الأولى ابتدائي ولكن لا تعلموه حتى يحصل على الشهادة العليا، يمكن أن تعلموه الطبيعة أو تعلموه الفلك أو تعلموه الكيمياء أو تعلموه الطب، إذن كلمة علم كلمة مطلقة، لذلك يقولون الفعل كأنه نكرة، لماذا كأنه نكرة؟ لأنه يشتمل على المصدر الذي هو
علم، أي علم، آدم يمكن أن يكون ويمكن أن يكون علمه كثيرا، ويمكن أن يكون علمه الدنيا ويمكن أن يكون علمه الآخرة، ويمكن أن يكون علمه أي شيء. النكرة فرد شائع في أفراده، النكرة فرد شائع في جنسه، ما جنسه؟ علم فيهم أي علم، ولذلك فيها نوع من أنواع الإطلاق وليس التقييد. علم آدم، حسنا إذن علم سيميزك عن الجبل والشجر والبقر وما إلى ذلك، هذا هو الذي سيميز الإنسان عن سائر الكائنات وهو العلم، إن
عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان بموجب ماذا؟ علم آدم الأسماء كلها، فالآية أول ما وجهتنا وقبل أن ننزل إلى الأرض جعلت العلم هو الأساس وهذا معناه إيه معناه إذا إنك لم تكن عالما فإياك أن تخوض فيما لا علم لك به لأن هذه الحياة بناها الله على العلم فأنا لا أعلم فلا تأخذ ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا منهج علم آدم الأسماء كلها بعد السؤال الخاص بالملائكة يا رب أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك
الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون وعلم آدم الأسماء كلها فالآية تفيد أن العلم هبة من عند الله والآية تفيد أنك أيها الإنسان مميز عن بقية الكائنات بالعلم والله يفيد أن إياك أن تسلك طريقا وأنت لا تعلمه، ومن هنا إياك أن تقول قولا وأنت لا تعلمه. المسألة ليست بهواك ولا بعقلك ولا بأفكارك، المسألة بالعلم. يجب أن تعلم أولا حتى تبني كلامك على العلم، فإن بنيته على الظن وعلى الشك وعلى الوهم وعلى الخرافة
أنت قريب من الجماد أو النبات أو ما إلى ذلك، احذر بداية طريق العلم واتقوا الله ويعلمكم الله، فالعلم شيء كهذا منحة إلهية ولا بد لنا من الاهتمام بها، ابتداء علم آدم الأسماء كلها، أيبقى مفتوحا أم مغلقا؟ هذا مفتوح يقول كلها، ما قال الأسماء وسكت، بل قال كلها يا وهنا إشارة إلى الاهتمام باللغة وتفسير لكلام العلماء بعد بحث طويل أن اللغة والفكر وجهان لعملة واحدة إذا كانت لغتك
سليمة فإن فكرك مستقيم وإذا كانت لغتك تتلعثم وتختلط وتتداخل الكلمات فإن مفاهيمك لن تكون مستقيمة وستكون مختلطة وتتداخل المفاهيم مع بعضها البعض هذا ما قاله علماء الاجتماع وعلماء اللغات الحضارة من أن اللغة كائن حي ومن أن اللغة والفكر وجهان لعملة واحدة ومن أن بداية نهضة الأمم تبدأ من الحفاظ على لغتها ومن غير ذلك مما يتعلق باللغة ملخص في قوله تعالى وعلم آدم الأسماء كلها وكل هذا معناه أن العلم درجات وأن منه بداية ومنه نهاية لأن الذي كل له بعض
فكان أثناء ما يعلمون يكون تعلم بعضا وبعدئذ تعلم بعضا آخر حتى تعلمها كلها فيكون العلم درجات وهذا الذي قال الله وفوق كل ذي علم عليم صاحب العلم اسمه عالم فمن فوقه من هو عليم هذه يسمونها ماذا صيغة مبالغة يعني ليس عالما فحسب هذا عليم أيضا أي عالم زائد عالم زائد عالم جمع عالم ما هو عالمون جمع عليم ما هو علماء أتلاحظ فعلماء ليس جمع عالم هذا جمع عليم حسنا بخيل جمعها
ما هو بخلاء كريم جمعها ما هو كرماء عليم جمعها ما هو علماء عظيم جمعها ما هو عظماء عظيم انتبه ليس ببخيل، بخيل جمعها بخلاء، كريم كرماء، عالم علماء، ولكن هذه علماء، وفوق كل ذي علم عليم. إذن للعلم درجات وللعلم تنوع، والعلم منه سطحي أن تعرف بالكاد الظاهر، ومنه عميق وهو أن تعرف ماهية الشيء وحقيقته، ومنه مستنير وهو أن تنسب هذا الكون وهذا العلم
لله ثلاثة أقسام، ثلاثة أعماق: سطحي وعميق ومستنير. السطحي أن تعرف الأسماء والمعلومات، والعميق أن تدخل في البحث وتدرك المعاني والحقائق، والمستنير أن تقول بعد أن ترى كل ذلك: سبحان الله لا إله إلا الله، فتكون قد ربطت في قلبك بين ما توصلت إليه فرأيت الله في الكون وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد، رأيت الله في الاتساق، رأيت الله في الإبداع، رأيت الله في الحكمة البالغة في الربط الشديد، كل هذا موجود هنا، وعلم
آدم الأسماء، فيظهر إذن الأسماء، وبعد ذلك قال كلها، فجعل في تمام للعلم، ثم عرضهم على الملائكة، فيا ترى هو اقتصر على أنه يعلم الأسماء، لو كان يعلم الأسماء وليس الحقائق لكان ربنا قال له اذكر ما الذي علمته لك، فكان يقول أرض سماء سحاب عال سافل يمين يسار وهكذا، لكن هذا لا، هذا جاء لهم بماهية الأشياء قال لهم ما هذه إذن هاهي، إذن هناك بحث عميق لم يقف عند الأسماء في قوله أنبئوني بأسماء هؤلاء،
يشير إشارة إلى حاضر، هؤلاء هي كلمة هؤلاء تدل على العلم العميق، فلما علم آدم علمه أسماء، هذا علم الظاهر أو السطحي، هؤلاء يكون العلم العميق إن كنتم صادقين، قالوا سبحانك، العلم أصبح المستنير، سبحانك العلم المستنير الذي يتواضع. فيه الإنسان أمام ربه لا علم لنا إلا ما علمتنا، لا ندخل فيما لا علم لنا به، إنك أنت العليم الحكيم، تعلم من تشاء ما تشاء، وإلى لقاء آخر نستودعكم الله،
والحمد لله رب العالمين.