سورة البقرة | حـ 72 | آية 40 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مع كتاب الله سبحانه وتعالى نطلب منه الهداية ونقف عند كل آية بل كل كلمة منه فهو من كلام رب العالمين وفضل القرآن على كلام الناس كفضل الله سبحانه وتعالى على عباده فالرب رب والعبد عبد وهناك فارق بين المخلوق والخالق يقول ربنا سبحانه وتعالى قلنا اهبطوا منها جميعا كرر الهبوط مرة ثانية وجميعا تأكيد لأنه ليس في الجنة صراع وأنه
إذا كان ثمة صراع فليكن في الأرض فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون من رحمة كلما جاء يضيق علينا فتح علينا، وكلما جاء يشدد علينا يسر علينا، فتبين من هذا أن الله يحبنا، فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا، ما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل، فإما يأتينكم مني هدى، حسنا
وإذا ما جاء الهدى انظر يعني هو ينزلنا في الأرض عقوبة للمعصية ثم يرحمنا بعد ذلك ويقول إنني سأرسل إليكم الهدى ثم يرحمنا بعد ذلك فيجعل من لم يصله الهدى غير مكلف انتبه يعني هو يضيق علينا اخرج خارجا أخرجنا قوم يحن علينا قال لكن سأبعث لكم هدى لكي تستدلوا بها إلى طريق طيب والذي لم تأته الهداية فسوف أعفو عنه أيضا، أي ليس الذي لم تأته الهداية يكون الله قد كتب عليه
الضلالة ويدخله النار، لا، فجعل لكل قوم رسولا، طيب والذي لم تأتهم الرسل لهم فيكونون من أهل الفترة، والفترة تعني ماذا؟ تعني أنه ليس لهم رسول، وهؤلاء شأنهم ماذا؟ النجاة تكون لو كان ربنا يكرهنا لكان تركنا ننزل وليس هناك هداية نتصرف بها، نحن إذن الذي يأتيه الهدى يكون من فضل الله ويدخله الجنة والذي لا يأتيه الهدى يدخله النار، ولكن الله سبحانه وتعالى وهو يؤاخذ قوما يؤاخذ برفق ولطف ورحمة وحب
فينزلنا وينزل معنا الهداية وينزل الهداية ويجعل لم تصله الهداية في نجاة وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا، حسنا لنفترض أن نبعث رسولا فلا يوجد عذاب إذن، لماذا؟ ذلك مبلغهم من العلم ليس لهم هكذا، فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا، سكت قال لا بآياتنا هذا الله وصلته آية أيتها تعني إيه الوحي المنزل أم المعجزة التي مع الرسول الآية بمعنى المعجزة أم الاثنان جائز ألا يحدث شيء ما هو
هذا مشترك والذين كفروا وكذبوا ما قال بالله حتى نقول الفطرة تدعو إلى الإيمان بالله ونعذبهم إذن لا دخل إلا الذي وصلت إليهم الهداية واتهموا ثم بعد ذلك كفروا بهذه الهداية التي هي في صورة وحي أو في صورة معجزة أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون قال لك حسنا خالدون معناها المدة الطويلة أم معناها إلى الأبد فالمعتزلة قالوا لا خالدون تعني إلى الأبد أهل السنة قالوا لا خالدون تعني المدة الطويلة أليس
كذلك قالوا لأنه ورد في القرآن خالدين فيها أبدا فلو كان خالدون هذا معناها دائما لكان كلمة أبدا لا فائدة لها وليس في القرآن شيء لا فائدة له فالحرف له فائدة والحركة لها فائدة وكل شيء له توجيه للمعنى الذي يؤدي بنا إلى معرفة مراد الله سبحانه وتعالى فكلمة أبدا لها فائدة وهي الدلالة على المكث المستمر فيجب أن تكون هذه المدة طويلة، حسنا قال يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم
وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون هنا بدأ في معنى جديد إذن كل الآيات التي وردت سابقا من بداية أن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها إلى ذكر بني إسرائيل كان مدخلا للإنسانية في بدايتها علمنا فيها ربنا سبحانه وتعالى حقيقة الكون وأن هناك إلها قد خلقه وأن هذا الإله فعال لما يريد لا يسأل عما يفعل وهم يسألون وأن هذا
الإله يرسل الرسل وينزل الكتب ويأمر وينهى وعلينا إذن إذا أردنا النجاة والسعادة في الدنيا وفي الآخرة أن نمتثل لأمره ونهيه وأن نسير في طريقه سبحانه وتعالى وأن هذا الإله يحيينا ويميتنا ثم يحيينا كما يشاء وأننا سنعود إليه يوم القيامة وأننا في هذه الدنيا ونعود إليه يوم القيامة ففيها حساب وعقاب أو ثواب جنة أو نار وأن في هذه الدنيا هو ينهى عن الفساد في الأرض وهو يأمر بعبادته وحده سبحانه وهو يأمرنا ألا نكون من الخاسرين
فنصلح العلاقة التي بيننا وبينه "الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه" وبيننا وبين أنفسنا "ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل" وبيننا وبين الكون "ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون" علمنا ربنا هذه الصورة وعلمنا كيف بدأ الخلق وأننا مكرمون في هذا الكون ولقد كرمنا بني آدم وأن سبب التكريم العلم وأنه يجب عليك أن تتعلم حتى تعبد الله على بصيرة وحتى تدعو إلى الله على بصيرة ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وأننا يجب أن نتعلم لعمارة الأرض وإننا
لا نقف بعلمنا عند حد السطح أو العمق، بل لا بد أن نربط ذلك بالله رب العالمين، وإننا يجب علينا أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وأن نجعل كل ذلك في سبيل الله، وأن نخلص النية لله، وأن نعلم أن هذا الكون قد بني على التوازن وأنه قد بني على الألفة وليس على الصراع فليس هناك صراع بين الرجل والمرأة ولا بين الحاكم والمحكوم ولا بين الغني والفقير ولا بين الإنسان والكون كما هو موجود في عقائد كثير من خلق الله على
الأرض الآن وأنه ينبغي علينا أن نؤمن بالتكليف وبالتشريف وبالقداسة وأن نحترم القرآن والنبي والأنبياء والكعبة المقدسة ذكر الله لنا كل ذلك في كلمات واضحات بينات تبني في الإنسان رؤية شاملة للكون وللحياة ولما قبل ذلك وبعد ذلك وجعلها في أول سورة لنا نتعلم من هذا أن القرآن لا تنتهي عجائبه ولا يبلى من كثرة التلاوة وأنه
متحرر من الزمان والمكان والأشخاص والأحوال وأنه كلام رب العالمين إلى العالمين إلى يوم الدين وأنه ينبغي علينا وهو لا تنتهي عجائبه ولا يحيط بتفسيره أحد أن نتأمل فيه على مستوى الشكلة وعلى مستوى الحرف وعلى مستوى الكلمة وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والحمد لله رب العالمين