سورة البقرة | حـ 75 | آية 47 : 48 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

سورة البقرة | حـ 75 | آية 47 : 48 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة - تفسير, سورة البقرة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مع كتاب الله سبحانه وتعالى نطلب منه الهداية نقرأ في سورة البقرة وهو يخاطب بني إسرائيل وهم أولاد يعقوب عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ويخاطب العالمين من خلالهم ويخاطب الأمة الإسلامية وهو يحذرهم من أن يسيروا مسيرتهم المعوجة يا بني إسرائيل اذكروا النعمة التي أنعمت عليكم يعني اذكروا نعمة الله التي أنعم عليكم بها إذن اذكروا
نعمتي أمر ليس موجها لبني إسرائيل فقط بل هو لكل من أراد أن يسير في طريق الله أن يذكر نعمة الله عليه ذكر النعمة وكونها منسوبة إلى الله يريد أن تبين إنك مؤمن بالله وأنك تلاحظ أنه هو صاحب المنة والنعمة عليك وأنك لا تكفر هذه النعمة وإنما تشكر هذه النعمة وأول ذلك أن تتذكر أن تستحضر يا بني إسرائيل وهنا معناها ويا أيها الناس اذكروا نعمتي فذكر
النعمة يستوجب الإيمان بالله ويستوجب معرفة حقيقة الحياة وأنها ويجب أن يتبع هذا بحمد الله وبفضله التي أنعم عليكم، فإذن يؤكد أن الذي بعد "التي" هنا "التي أنعمت عليكم" يعني صفة لهذه الحال نعمتي، وسوف يصفها بأنها من عنده هو وليس من حول أحد ولا من قوة أحد سواه، وإنه لا يبقى حاجة أخرى غير أن تتذكروا النعمة
متحققة بالخلق ومتحققة بالرزق ومتحققة بالهداية ومتحققة بالمنح الربانية ولكن أيضا فعل فيهم شيئا يستوجب شكرا خاصا على نعمة متجددة مختلفة عن النعم كلها النعم كلها معناها أن البشر جميعا قد اشتركوا فيها أو أغلب البشر اشتركوا فيها ولكن هذه نعمة لم يشترك فيها أحد سواهم وإني فضلتكم على العالمين تفضيل معناه
أن الله سبحانه وتعالى فتح لهم المجال لكي يكونوا أفضل العالمين، هذا تشريف أم تكليف؟ أم هو تكليف وتشريف معا، هذا تشريف وتكليف معا. فضلهم على العالمين أي عالمي زمانهم لأنهم كانوا هم الذين يعبدون الله الواحد الأحد ويؤمنون بالوحي الذي أنزله على موسى ويؤمنون بالشريعة التي أتى بهم ذلك الوحي فآمنوا بذلك وباليوم الآخر، لم يكن الأمر كذلك في العالم، بعضهم يشتغل بالأوثان وبعضهم يشتغل بالطواطم، أناس يعبدون الشجر، وأناس يعبدون البقر، وأناس يعبدون الحجر،
وبعضهم لا دين له، ولكن هؤلاء قد عبدوا الله سبحانه وتعالى وآمنوا به وبنبيه وبكتابه وباليوم الآخر، ففضلهم الله على العالمين. ألا تعتقدون ذلك إذن؟ فالذي يعتقد ذلك ماذا يفعل؟ يخشى ضياع النعمة ويخشى ضياع التفضيل، أما من نسيه فإنه لا يخشى شيئا لأنه ليس في ذهنه، ولذلك نرى في التاريخ أن موسى وصل إلى الأرض المقدسة فمات على رمية حجر منها، والحجر أنتم تعرفون اللعبة التي يسمونها الجلة رمي
القرص تجده من الألعاب الرياضية أنه يرمي القرص هكذا بيده لكي يرى أبعد قرص يستطيع أن يرميه كم، فهذا الحجر صغير يمكن أن ترميه أكثر مما ترمي الثقل الكبير الخاص بالجلة أو الخاص بالقرص. ارم حجرا وانظر كم المسافة، جرب المسافة التي تبلغ عشرين مترا ستستطيع أن ترميه ثلاثين. مات على بعد ثلاثين مترا من الأرض المقدسة، والأرض المقدسة تعني بيت المقدس، ولكن لم يدخلها. فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا، وهو واد في جهنم يسمى غي. لماذا عبدة الأوثان ظلت تتدهور وأربان وإسرائيل هذا في تاريخهم ما من أحد لا افترى عليهم ولا هل قال لهم شيئا
أم قال هذا؟ هم يكتبون عن أنفسهم حتى فتحوا خمسة معابد للأوثان في فلسطين بعد أن مات سيدنا موسى عليه السلام ولم يدخل الأرض المقدسة، وذهبوا هم ففتحوا خمسة معابد يعبدون فيها الأوثان صراحة، فهل هؤلاء يتذكرون نعمة الله أبدا؟ وهؤلاء متذكرين فضل الله عليهم أبدا انحرفوا، أليس هذا هو الدين الذي جاء به موسى، أليس هذا هو العهد الذي أخذه الله على إبراهيم وأبنائه، أليس هذا هو مراد الله من خلقه، فيفتح لهم باب التوبة مرة أخرى وينادي عليهم إلى يوم الدين: كونوا صالحين تعالوا
ارجعوا مرة أخرى للإيمان بالله بالشرع والإيمان باليوم الآخر والإيمان بما معكم لا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون، ببساطة هكذا ارجعوا إلى الحق ويرجع إلى الحق، عندما يحدث ماذا عندما يذكر نعمة الله عليه وعندما يذكر فضل الله عليه وأنه فضله على العالمين واتقوا، يبقى هنا اذكروا هذا أمر واتقوا الأمر الثاني، والتقوى قال لك الخوف من الجليل ما هو الذي يخاف من ربنا لا يكذب الذي يخاف من ربنا لا يكذب لا يرتكب الكذب لكن
الذي لا يخاف من ربنا لأنه نسيه نسوا الله فأنساهم أنفسهم فسيفعل ماذا ما هو يكذب هو ليس مصلحة مغضوب عليه يعرف الحق ولا يعمل به فيقول واتقوا، والتقوى هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل، الوحي الذي أوحى الله به إليهم ليعملوا به، والاستعداد ليوم الرحيل، الإيمان باليوم الآخر وأن يؤثر هذا الإيمان في السلوكيات الحالية الحاضرة، ويجب علينا أن ننتبه وأن نعلم أن هذه حقيقة التقوى، كما يقول سيدنا علي بن أبي طالب عندما سئل عن التقوى
فقال الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والاستعداد ليوم الرحيل يعني الإيمان بالله ألست ستخاف ربنا عندما تؤمن به والإيمان بالوحي الذي هو التنزيل والإيمان باليوم الآخر الذي هو يوم الرحيل ذاهب إلى ربنا وليس ذاهبا إلى التراب فحسب واتقوا يوما والنبي صلى الله عليه وسلم يقول اتق الله ولو بشطر تمرة اتقوا يوما، هذا اليوم عمل حساب، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا. أهذا موجه لبني إسرائيل فقط؟ لا، هذا موجه في الظاهر لبني إسرائيل وحقيقته أنه موجه لكل واحد منا، كأن القرآن نزل إليك يخاطبك أنت. وإلى لقاء آخر نستودعكم الله، والسلام عليكم
ورحمة الله وبركاته.