سورة البقرة | حـ 76 | آية 48 : 49 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، مع كتاب الله سبحانه وتعالى ومع قوله تعالى في سورة البقرة يخاطب بني إسرائيل وهو يخاطبنا جميعا من خلالهم "واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا"، فإذن وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ليس اقرأ كتاب غيرك اقرأ كتابك أنت يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه المسؤولية
مسؤولية شخصية لا يضار والد بولده ولا مولود له بوالده ولا أي شيء في أي شيء لا فعل أخيك يضرك ولا أنت في فعلك تضر أخاك ولذلك نرى الأمثلة أن فرعون كان كافرا ولكن زوجته التي في بيته كانت مؤمنة وأن نوحا كان مؤمنا ونبيا من أولي العزم من الرسل ولكن ابنه كان كافرا وأن إبراهيم أبا الأنبياء عليه السلام الذي سمانا المسلمين من قبل الحجة الأسوة هو ومن اتبعوه كان
مؤمنا بلا شك ولكن أباه كان كافرا وهكذا فنرى الزوجة صالحة والزوج فاسد والزوج صالح والزوجة فاسدة مثل لوط فإن لوطا نبي وامرأته وامرأة نوح ليستا صالحتين والابن صالح والأب فاسد والأب صالح والابن فاسد كل واحد بمفرده يبقى في هذا اليوم لا تجزي نفس بنفس شيئا يبقى إذا الإنسان فعله، هذا يحرر العقل البشري من الأوهام، هذا يحرر العقل البشري من إلقاء المسؤولية على الغير ويعتبر أن المسؤولية هي
مسؤولية فردية وأنك ستؤاخذ بعملك دون سواك، عملية مهمة جدا لأن هذا ضد أن الخطيئة تورث من جيل إلى جيل وضد أن يؤاخذ الناس بعضهم مسؤول عن بعض كما هو في بعض أذهان البشر، وضد أن يقتل الناس بهذه الطريقة العشوائية كما يفعله المفسدون الآن، يقتلون عشوائيا هكذا، وهو ومن خرج على أمتي يقتل برها وفاجرها، هذا في الحديث هكذا أنه سيأتي من يقوم على الناس، يخرجون على أمة الإسلام فيقتلون برها وفاجرها ولا يعرف
من يقتل أيضا وفاجرها يعني إذا لم يتكون عقله كما أراد الله، ربنا يقول لك انتبه أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، انتبه أن كل واحد مسؤول عن عمله وبهذا إياك أن تتعدى هذا المبدأ، هناك في يوم القيامة لن يستطيع أحد من الناس أن ينقذك مما كتبه الله عليك في الحياة الدنيا، طيب أنا أنقذ نفسي إذن أو غيري ينقذني عندما يأتي الإثم هذا لا تقبل منه شفاعة قال ولا يقبل
منها شفاعة لا يرضى أن يتركك تتشفع في غيرك إلا بإذنه ولا يؤخذ منها عدل يقول طيب أنا أريد أن أفدي هذا معي أموال كثيرة جدا أدفنها معي، فقد كان الناس قديما يدفنون معهم الأموال، فأنا أدفنها معي في الكفن. ها نحن المسلمون نقول لك: الكفن لا جيوب له، فأين ستأخذه؟ ولو أخذت الأوراق النقدية الخاصة بنا في هذه الأيام، فإن الصراصير تأكلها والعث، وماذا ستفعل؟ الرطوبة تأكلها، لكن كان قديما ذهبا فكانوا يدفنون مع أنفسهم فيخرج هكذا يوم القيامة ويتذكر أن هذا ماذا، وهو لا قيمة له، الذهب والفضة هذا تشتري به الأشياء، فهل توجد أشياء هنا في يوم الحشر العظيم؟
أنت خارج مع ربك هكذا حفاة عراة، لا يوجد شيء عادل يعني، شيء عادل، شيء مساو. أتظنين به تقول يا رب فما الذي حدث؟ أكلت أموالا على هذا، فخذ الأموال ها هي، قالوا لا يصلح الآن فقد فات وقت السداد، فماذا سيفعل بها؟ الأموال مسكين كان في الدنيا يعمل ولن ينصروا، ما من نصر أيضا، ربنا لا ينصرهم، إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم، قال ينصركم في الدنيا والآخرة ولذلك جاء وقال ويثبت أقدامكم لكي يجعلكم ينصركم أيضا في القتال في سبيله فنصركم هذا واسع لأنه قد يكون في الدنيا وقد
يكون في الآخرة قد يكون على النفس وقد يكون في الجهاد والقتال ويعدد لهم إذن النعم وينبهنا نحن على مثل هذه النعم وكيف نقرأ الأحداث قال وإذ نجيناكم من آل فرعون فهذه نعمة كانوا هناك في مصر كانوا مع فرعون متسلط عليهم بالعذاب متسلط عليهم بأنه يقتل أطفالهم ويستبقي نساءهم أحياء حتى يستخدمهم في الخدمة فيقول وإذ نجيناكم
من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ليس يسومونهم العذاب فحسب بل هذا سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم تخيلوا أن الطفل يذبح هذا دليل على أي قسوة القلب والإفساد في الأرض وعدم مراعاة الطفولة البريئة التي لم تفعل شيئا في الحياة الدنيا، فما هذا الألم الذي تشعر به المرأة وهي ترى ابنها يذبح أمامها، هذا جزء منها وهذا يجعلها تجن، فإذا لم نسمح لها إنها تجن، يا
إلهي، يعني ظللنا نرعبها حتى لم تعد تستطيع أن تجن، يعني غير مسموح لها أن تجن، طيب وهي الجنون بيدها أم بقلبها، تخيل أنني سأنشئ جوا كهذا أجعل الناس مذهولين حتى عن أبنائهم، أيكون هذا سوء العذاب أم لا، هذا عذاب شديد، هذا عذاب مهين، هذا العذاب الشديد يدل على ماذا؟ على قوة المعذب ويدل على ضعف هؤلاء، على إحاطته بهم وأنهم تحت السيطرة لدرجة أنه استطاع أن يفعل بهم ما يشاء، فيبقون محصورين
معلومين وهو لديه من القوة والسلطان والجنود ما يسيطر به عليهم ويجعلهم لا يستطيعون أن يفعلوا شيئا، حسنا فهل لهؤلاء حول؟ أو قوة ليس لهم حول ولا قوة فكيف ينقذون بالحسابات الدنيوية لا يمكن أن ينقذوا كيف ستنقذونهم وهذا ليس معهم سلاح ولا معهم عدد ولا معهم عدة ولا معهم تخطيط ولا معهم شيء على الإطلاق والآخرون يسومونهم سوء العذاب فماذا وهذا عندما يستمر قليلا هكذا شهرين ثلاثة سنتين
ثلاث عشر سبعين أو مائة أو مائتي سنة، ماذا يحدث؟ أناس يقعدون يتعذبون فيحدث ما يسمى بنفسية العبيد، نفسية غير قادرة على أن تفعل شيئا، نفسية فيها الهوان وقابلية الاستعمار، لا يقول لا، يتمسك بالدنيا تمسكا شديدا لدرجة أنه لا يستطيع أن يثور على الظلم حتى ولا أن يقول أبدا لسيده لا أفعله طبيا وهذا مرجو منهم خير، هذا الصنف من الناس مرجو منه خير، سننجح في جعلهم يفكرون ويعمرون ويعملون شيئا ويتحركون، حتى
لا ليس مرجوا منهم خير ولا يستطيع أحد أن يحركهم، فإذا كانوا بهذه الصفة فماذا يفعلون؟ هو في الحقيقة ما ليس هناك خطة لإخراجهم من هذا ولا في يغيرهم عن هذا، فلما يأتي أحد ويغيرهم أليس تكون هذه معجزة؟ لما يأتي أحد ويغيرهم بإذن الله ويصنع بهم شيئا أليس يكون الذي فعلوه نعمة وفضلا يستوجب أن يتذكروا نعمة الله عليهم؟ وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم وفي حلقة أخرى نكمل هذا
التصور الذي يتولد من القرآن الكريم وهو يحكي بكل دقة ما كان لنا حتى نستهدي به فإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته