سورة البقرة | حـ 81 | آية 56 : 59 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله سبحانه وتعالى نعيش هذه اللحظات، نطلب منه الهداية فإنه كتاب هداية. مع سورة البقرة وفي قوله تعالى "ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون" وهذه سبق أن تحدثنا عنها في العد النعم المتتالية التي عددها الله سبحانه وتعالى على بني إسرائيل وليس الأمر خاصا بهم بل إنه خطاب لنا حتى لا نكفر كما كفروا ولا نعاند ربنا كما عاندوا ولا
نفسد في الأرض كما أفسدوا ولا نتخذهم قدوة لنا وأسوة فإن كانوا أولئك أسوة فهم أسوة سيئة والله سبحانه وتعالى جعل لنا أسوة حسنة في سيدنا محمد سيد الخلق أجمعين وإمام النبيين فهو كأخيه موسى وعيسى عليهم السلام، ضرب الله سبحانه وتعالى المثل بقوله: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا، بعدما طلبوا أن يروا ربهم فأماتهم الله سبحانه وتعالى بالصاعقة لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار لأنه رب العالمين، لأن الجسد البشري لا يتحمل أن
يتصل مباشرة بالله. ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء. هذه هي الطرق التي يتم بها الوحي وهو إلقاء من الله سبحانه وتعالى من يشاء من عباده حتى يبلغ الناس فيهيئهم الله سبحانه وتعالى جسديا ونفسيا وعقليا وروحيا ولكن لا يرى الله سبحانه وتعالى البشر طلبوا ذلك فصعقوا فماتوا فأحياهم الله من بعد موتهم وأراهم قدرته عيانا حسا لعلهم يشكرون أن أعادهم الله سبحانه وتعالى قبل أن يغضب عليهم
لعلهم يشكرون النعم المتتالية التي قد أكرمهم الله بها فأنجاهم من فرعون وعمله وأنجاهم من ذبح أبنائهم واستعباد نسائهم إلى آخره، ثم بدأت النعم الجديدة فقال تعالى وظللنا عليكم الغمام. الدنيا حارة في سيناء، هم عبروا اللسان الخاص بخليج السويس عبروه، أصبحوا في سيناء وإذا ركبت الطائرة تسير فوق سيناء تجدها جبالا وعرة. تجد أن السكك التي فيها حتى مكان السيل مثلا منتهية ومقطوعة بجبل، لكي تمشي لا بد إما أن تصعد الجبل أو تدور حوله
في متاهة، وإذا درت حوله تضل الطريق. كل هذا نراه الآن نحن من الطائرة وأنت ذاهب إلى شرم الشيخ وأنت قادم من شرم الشيخ، قم فانظر إلى نزلوا هنا فاشتد عليهم الحر فقام ربنا سبحانه وتعالى بإرسال الغمام ليظللهم وظللنا عليهم الغمام فإذا انتقلوا من مكان إلى مكان فما هذا الغمام؟ إنه سحاب والسحاب معلق في الهواء ويسير بالهواء بالريح فكيف يقف السحاب؟ إذن الريح واقفة وكيف يسير السحاب؟ إذن الريح تسير فمن بيده إسكان الريح وتحريك الريح لا بأيديهم ولا بيد أحد، نحن
أرسلنا الرياح من الذي أرسل؟ الله، فلما شيء مثل هذا تراه بعينيك ظل طالما أنت جالس والدنيا نهار والشمس حارة السحاب موجود يتحرك ويمشي قليلا قم السحاب يمشي معك فهذا كرم ومنة يستوجب الشكر أم لا وأنزلنا عليكم المن والسلوى أنزل الله سبحانه وتعالى المن وهو فطر حلو مثل العسل والسلوى التي هي السمان والعريش عندنا العريش جزء من سيناء فيها مصائد للسمان والسمان هذا طائر أكبر
قليلا من الحمامة ولحمه أكثر من لحم الحمام وعندما يشوى يصبح شيئا لذيذا فيأكلون حماما ويحلون بالمن كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون، حسنا إذن يأكل الإنسان هذه الأشياء الطيبة وهذه الأشياء الطيبة أرسلها الله وأكثر منها، فيأتي إلى طائر السلوى هذا فيجده واقفا لا يطير فيمسكه فيستسلم له أي اذبحني وكلني من عند الله، وإذ قلنا ادخلوا هذه
القرية فكلوا منها رغدا هناك في الجنة، ربنا قال لآدم ماذا؟ رغدا حيث شئتما، لماذا؟ لأنه منعهما من الشجرة فقال ماذا؟ رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة، ها، جعل الاستثناء بعد أن أباح لهما، خذا ما تريدان إلا هذه الشجرة، هنا قال ماذا؟ حيث شئتما رغدا، يعني ماذا؟ يعني لم يستثن شيئا الله يعني لم يقيدهم التقييد في التكليف فيبقى في رحمة هنا ويبقى في حرية ويبقى في اختيار فتركهم يختارون كما يريدون وادخلوا الباب ساجدين
يعني عابدين لله لا تدخلوا بكبرياء ادخلوا وأنتم ساجدون متواضعون والساجد لله لا يظلم الناس ولا يعتدي عليهم ولا يفسد فيهم وفي الأرض الساجد لله متذكر أن في ربنا وأنه أكبر منه وأعظم منه وأنه يأمرنا بالخير وينهانا عن الشر، هؤلاء الساجدون لله وقولوا حطة، قولوا إننا سنقعد هنا، هو لن نمضي، لستم مستعمرين تأخذون خيرات البلاد وتذهبون بها إلى بلادكم تعمرونها وتخربون هذه التي دخلتموها، لا قولوا حطة هذه مهمة
جدا في رفض الإسلام للاستعمار محرم، فإذن قولوا هذه الخطة على أي نمط؟ على نمط التفاعل مع المجتمعات، تدخل المجتمع من هنا والقرية من هنا والبلد من هنا، تعيش فيها وتتزوج منها وتكون أسرة، تقيم فيها الصلاة وتؤتي فيها الزكاة وتأمر فيها بالمعروف وتنهى فيها عن المنكر الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور. قولوا حطة فسوف تقولون بالهجرة بالتفاعل بالبقاء ولا تقولوا سننهبها ونمضي كما فعلت فكرة الاستعمار حين سرقونا وبنوا بلدانهم. نغفر لكم
خطاياكم فإن السجود والعبادة ستكون سببا للمغفرة والطاعة ستكون سببا للمغفرة. هذا المنهج أنهم إذا دخلوا قرية أكلوا منها وأكلوا منها رغدا حيث شاءوا فسيشكرون ربهم وسيسجدون لربهم وسيعمرون الديار ولن يخربوها، هذه هي خطة ربنا في العالم: تعمير لا تدمير، وسنزيد المحسنين، كلما زدت في إحسانك كلما زادك الله سبحانه وتعالى من الأمن ومن الاستقرار ومن العلم، واتقوا الله ويعلمكم الله، فبدلا
الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم، إذن كلمة "بدل" هي المفتاح لهذه الآية التي نتحدث عنها. الذين ظلموا يبدلون منهج الله، لا يريدون منهج الله. منهج الله هو التعمير، ومنهجهم هو التدمير. منهج الله هو الحطة، ومنهجهم هو الاستعمار. منهج الله هو العبادة، ومنهجهم هو المعصية. فالتبديل إذن هو نشرحها شرحا مستوفيا في لقاء آخر، نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.